جميلة هي المقدمة الانسانية التي بدأها السيد بالأمس في كلمته الموجهة للبنانيين، ولا أريد أن أخفي إعجابي بالشخصية الجديدة التي تلبّسها، وبدا بأعلى درجات المسؤولية والحرص على صحة وحياة اللبنانيين، فاختفت لغة التهديد والوعيد وابتعد عن المناكفات السياسية (الا لمَمَا)، ولا أخفي أيضا أنها المرة الاولى التي أستمع فيها إلى السيد وأشعر بانني أستمع إلى مسؤول لبناني يعنيه ما يعني اللبنانيين ويعيش حجم الازمة التي يعيشونها.
هنا قد يقول قائل بأن فيروس الكورونا وخطورته على الجميع هو من فرض "النيو سيد" وأن الموضوع ليس نتاج تموضع فكري مبني على قناعات جديدة وبالتالي إعادة تموضع يبنى عليها، أقول في هذا الصدد أن لا مانع البتة أن تفرض الظروف الموضوعية شكلا من أشكال تقاطع المصالح ولا بأس أن نجد أنفسنا بنفس الخندق مع السيد طالما أن "العدو" واحد والهدف واحد، وبمقارنة بسيطة بين ما جاء بكلمة السيد بالأمس ودعوته للتكاتف والتعاضد ونبذ المناكفات السياسية في هذه المرحلة والوقوف جميعا كالبنيان المرصوص في وجه هذا الفيروس الذي يهدد الجميع، وبين التصريح الأحمق لوزير الصحة السورية بالأمس والذي قال فيه (أن الجيش العربي السوري تكفل بقتل كل الفيروسات الموجودة على الاراضي السورية)، تدرك أهمية ما جاء على لسان السيد وتتفهم أهمية التراجعات التي ساقها، فهو لم يتحدث مثلا عن "مؤامرة" وحرب بيولوجية كما ألمح المرشد الايراني، ولم يذهب إلى ما ذهب إليه مقتدى الصدر باعتبار الفيروس صناعة أميركية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فلم ينف السيد كما كان متوقعا حجم الكارثة التي تصيب إيران واعتبارها بلدا موبوءا وأن مسؤوليين كبار في الجمهورية الاسلامية (ولايتي) بل اعتبر أن الأمر هو محل فخر، والأهم من كل هذا وذاك فلم يخرج علينا السيد ليقول : "ما في شي بايران"، على طريقة "ما في شي بحمص" .
اقرا ايضا : إيران أوهن من فيروس الكورونا
هذا كله وإن كان لا ينفي مسؤولية الحزب عن تفشي الفيروس بالأيام الأولى من خلال الإبقاء على خط الطيران من إيران واستقبال مصابين مع إجراءات أقل ما يقال فيها أنها إجراءات فاشلة يتحملها وزير الصحة شخصيا، فهذا كله لا يمنع من الإشادة بما جاء بكلامه، هذا أولا، وثانيا هذا لا يمنع أيضا من إبداء بعض الملاحظات التي نراها ضرورية بناء على كل ما قاله السيد.
أولا : لا بد من خطوات كبرى تساهم بالتسريع فيما ذهب إليه السيد من تعاون الجميع وتضافر القوى، ليس أقلها هو استقالة هذه الحكومة فورا وتشكيل حكومة تحظى برضى وثقة كل اللبنانيين، فحكومة اللون الواحد لا يمكن أن تواجهة أزمة بهذا الحجم.
ثانيا: سحب كل مقاتلي حزب الله من أماكن انتشارهم في سوريا والعراق وغيرها من الأماكن وإعلان حالة طوارئ حقيقية وإقفال كل معابر البلد .. اذ لا معنى لحصر الفيروس مع بقاء المعابر مفتوحة وانتقال المقاتلين.
تعمل الحكومة الجديدة على تصحيح الأوضاع السياسية وتحسين العلاقات مع كل دول العالم بالخصوص الدول العربية منها من أجل المساهمة بمد يد العون التي يحتاجها البلد، بهذه الخطوات فقط يمكن أن يترجم السيد دعوته إلى تضافر الجهود وتترجم فعلا الحرص الحقيقي على حياة ومستقبل البلد، فما نحتاجه هو خطوات عملية كبرى وليس فقط إلى دعوات خطابية .