قد لا يكون ممكناً إعطاء الهجوم الذي تعرّض له معسكر "التاجي" في العراق، وأدى الى مقتل جنديَّيْن أميركيَّيْن وجندي بريطاني، أهميّة استراتيجية كبرى.
فلا مؤشّرات الى رغبة أميركية أو غربية عموماً من جهة، وإيرانية من جهة أخرى، للذّهاب في تصعيد عسكري، لا يُمكنه أن يحصل أصلاً، لا سيّما أن فيروس "كورونا" يكوي الجميع، ولا يترك مجالاً في الوقت الرّاهن، وفي المرحلة القليلة القادمة، لا لتحقيق إنجازات نوعيّة ترتبط بالردّ على مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني، ولا حتى للقيام بالردّ المناسب على هكذا ردّ، لا سيّما أن العوامل والأولويات الإنسانية، تطغى حالياً على كلّ دول العالم.
1962...
وهذه الإعتبارات تتقدّم على ضوء طلب إيران أمس، من "صندوق النّقد الدولي"، بالسّماح الفوري لها بالحصول على مساعدة مالية تُتيح لها مواجهة "كورونا". وإذا وصلت تلك الخطوة الى خواتيمها السّعيدة، تكون هذه هي المرّة الأولى التي تحصل فيها على مساعدة من "الصندوق"، منذ عام 1962.
وهنا، نسأل. هل يصحّ اعتبار هجوم "التاجي"، بمثابة جزء من طلب مساعدة IMF؟ فعندما نقول "صندوق النّقد الدولي"، نكون نتحدّث في تلك الحالة عن الولايات المتحدة الأميركية، بنسبة أو بأخرى، وذلك حتى ولو كانت واشنطن غير مطلقة اليد في شأنه بالكامل.
الأمور لا تزال غير واضحة تماماً، ولكن يُمكن تلمُّس بعض الإشارات التي سبقت هجوم "التاجي"، وطلَب المساعدة الإيرانية من "الصندوق"، في هذا الإطار.
5 أيام
فحاكم المصرف المركزي الإيراني عبد النّاصر همّتي أكد أن بلاده كانت طلبت مساعدة بنحو 5 مليارات دولار من "صندوق النّقد الدولي" في 6 آذار. وهذا يعني أن الهجوم على "التاجي" (حصل في 11 آذار) أعقب طلب المساعدة، بخمسة أيام. فهل يشكّل الهجوم رسالة وجع إيرانية من عرقَلَة أميركية معيّنة للمساعدة الإيرانية المطلوبة، لأسباب إنسانية؟ وهل يُمكن توجيه رسالة عسكرية أخرى؟ وهل إن أي رسالة أخرى من هذا النّوع يُمكنها أن تُتيح المجال للحصول على المساعدة لإيران، أو الى عرقلتها أكثر، مع عرقلة ضمّ طهران الى نادي الدول التي تعمل معاً لمواجهة تفشّي الفيروس؟
أكثر خطورة!
أكثر من إشارة أميركية، تؤكد أن واشنطن تنظر الى طهران في الوقت الحالي، من باب "كورونا"، حتى في ما يتعلّق بالأمور العسكرية.
فقائد القيادة المركزية الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي، أشار أمس الى أن "فيروس كورونا له تأثير على كيفيّة اتّخاذ الإيرانيّين للقرارات"، لافتاً الى أن "الأنظمة الشمولية تتصرّف تجاه الضّغوط القصوى في العادة، من خلال التركيز على التهديدات الخارجية، وهو ما يجعلهم أكثر خطورة في اتّخاذ القرارات".
وبالتالي، ما هو شكل الردّ الذي يُمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تلجأ إليه، على هجوم "التاجي"، وذلك بعدما أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزارة الدفاع الأميركية سلطة لإمكانية الردّ، وذلك بعدما تمّ قصف منطقة البوكمال بعد هجوم "التاجي"، وسقوط 26 عنصراً من "الحشد الشعبي"، كما بعد ضربات أميركية استهدفت خمسة مواقع لتخزين الأسلحة تابعة لجماعة "حزب الله" في العراق. وهل من ردّ أميركي إضافي يأتي معزوفاً على إيقاعات "صندوق النّقد الدولي"، وجَعْل إيران خارج منظومة الجهود الصحيّة العالمية لاحتواء "كورونا"، أو تهديدها بذلك؟
لأسباب إنسانية
قد يرى البعض أن الولايات المتحدة الأميركية لن توقف أي مساعدة من قِبَل "صندوق النّقد الدولي" لإيران، وذلك لأسباب إنسانية، لا سيّما أن واشنطن تمتلك 17 في المئة فقط من أسهم "الصندوق"، فيما تحتاج الى 51 في المئة من تلك الأسهم، للتمكّن من عرقلة أي مساعدة مالية تأتي من قِبَله الى هذه الدولة أو تلك.
وفي هذا الإطار، فصل مصدر كبير بين "أي مساعدة مالية لإيران، يُمكن أن تأتيها من "صندوق النّقد الدولي" للتعامُل مع ملف "كورونا"، من جهة، وبين هجومها على قاعدة "التاجي"، من جهة أخرى.
وأشار في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "الهجوم يصبّ في خانة الخطة الإيرانية التي تقوم على الردّ على مقتل سليماني".
وأضاف:"الإيرانيون أعلنوها صراحة، وقالوا إنهم لن يتخلّوا عن هذا الردّ. وهو ما يعني أن لا "كورونا" ولا أي مشكلة أخرى، يُمكنها أن تعدّل مخطّطاتهم".
متعاونة؟
ووضع المصدر "طلب طهران المساعدة من IMF لمكافحة "كورونا"، في خانة إظهار طهران نفسها أنها متعاونة مع المجتمع الدولي في كل المجالات، حتى الوبائية منها، وأن مشكلتها الأساسية تنحصر مع الأميركيين وحدهم".
وختم:"في أي حال، يُظهر الطلب الإيراني لمليارات "صندوق النّقد" وجود عدم تنسيق واضح بين قيادة "حزب الله" في لبنان التي رفضت التعامل مع "الصندوق"، وبين القيادة الإيرانية. وهذا التناقض سيُصبح أكثر وضوحاً، في خلفياته ومنطلقاته، خلال المرحلة القليلة القادمة".