جورج غرّة
قبيل الانطلاق عند الساعة الواحدة من بعد منتصف ليل الخميس - الجمعة من بوخارست في رومانيا كان اللبنانيون يتلقون آخر اخبار العاصفة من لبنان بالتواتر، وكانوا يدركون ان الطائرات كانت تحول الى قبرص، ولكن شركة "تاروم" الرومانية لم تبلغهم بشيء وانطلقت الرحلة بشكل طبيعي نحو بيروت، في وقت كان يدرك فيه الركاب انهم قد يحطون اضطراريا في قبرص او في تركيا.
كل شيء كان طبيعيا الى حين الوصول الى لبنان فكانت الطائرة تهتز بشكل طبيعي كما في اي عاصفة، وكانت تطير مع الهواء، وتم تحديد المدرج الخلفي للهبوط عن غير عادة بدلا من المدرج البحري وذلك بسبب الرياح الشديدة التي تضرب لبنان بعنف.
قبل الطائرة الرومانية هبطت طائرة آتية من دبي وهي كانت الاولى التي تنجح بالهبوط، وفور وصول طائرة "تاروم" ومحاولة التفافها للهبوط ضربها هواء عنيف ادى الى فقدان السيطرة عليها وابتعدت عن مسارها بقوة ولم تعد تطير بشكل متوازن، فارتفع الصراخ بداخل الطائرة وكان الشعور مخيفا ما بين فقدان السيطرة والموت الأكيد، سيدة تصرخ "الله اكبر ويا محمد" وانا اصرخ "يا عدرا"... كل ركاب الطائرة كانوا يصرخون منهم من يتضرع لله ومنهم من يصرخ من دون وعي ومنهم من يشتم بصوت عال والرعب على وجوه الجميع، البعض اغمي عليه والبعض الاخر اصيب بنوبة اعصاب والبعض الاخر يصرخ ويقول "خدونا عقبرص دخيلكن"، وبلحظة سيطر القبطان على الطائرة ودفعها بسرعة عالية وجنونية الى الامام وحاول الالتفاف مرة اخرى فتكرر الامر مجددا بسبب قوة الهواء وكادت الطائرة تنقلب ولكن الطيار "الوحش" اعادها الى مسارها مجددا وسيطر عليها بقوة واتجه نحو البحر بعد اعلان عدم القدرة على الهبوط.
ومن بعدها اجرت الطائرة طيرانا دائريا فوق البحر لمرات عدة، وبلحظة اغتنم فيها الطيار الفرصة اتجه بسرعة عالية نحو مطار بيروت واتى من جهة الجنوب وكانت الطائرة تهتز بشكل جنوني وهبط بسرعة عالية جدا في المدرج المخصص له وبقيت مقدمة الطائرة مرتفعة جدا بسبب سرعته وكانت تتمايل بسبب قوة الهواء. وهناك ارتفعت الصيحات والتصفيق وانهمرت الدموع واتجهت فرق الصليب الاحمر لنقل المصابين بنوبات اعصاب وبحالات اغماء، فظن الجميع ان على الطائرة حالات مصابة بفيروس الكورونا، ولكن كل الطائرة كانت سليمة بعد فحصها من قبل فرق وزارة الصحة وبعد تعبئة استمارات، فالجميع ازال الكمامات عن وجهه غير آبه بالفيروس بعد الرعب الذي عاشه.
فعلا الطيار الروماني كان "وحشا"- على ما يعنيه التعبير العاميّ- لأنه انقذ حياة اكثر من مئة راكب تقريبا بطريق بطولية، ولكن الركاب كانوا يفضلون الهبوط في قبرص او تركيا وتوفير الشعور بالموت المحتم، او كان من المفترض منعه من الهبوط وعدم منحه الاذن من قبل السلطات اللبنانية وتوجيهه الى قبرص كغيره من الطائرات التي بقيت هناك وعادت صباحا مع انتهاء العاصفة الهوائية.
الشعور غريب جدا وكأنك تسبح في بحر هائج وضربتك موجة قوية جدا ولم تعد تعرف اين سطح المياه واين قعر البحر، وفي القلب سخونة قوية كشعور بالمصيبة وفقدان احد افراد الاسرة امام عينيك، شعور لا اتمناه لاحد فعلا واليوم بت اعرف ما هو معنى عبارة "شفت الموت بعيوني".