هذا الإنسان الذي خلقه الله وجعله خليفةً على الأرض، وسلّطه على سائر الكائنات والمخلوقات (رغم اعتراض الملائكة على من سيُفسد فيها)، وراح يختلق النبوءات والمعجزات، لتبرير سطوته على الطبيعة وطغيانه وجرائمه على بني جنسه، فراح يعتدي على البيئة، ويضع حيوانات البرّ والبحر تحت رحمة حاجاته الإستهلاكية، ولم يترك سلاحاً فتّاكاً إلاّ واخترعهُ لزيادة سطوته، حتى تمكّن من سبر أغوار الذّرة، تمهيداً لتفكيكها وجعلها سلاحاً رهيباً مع سائر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وفي سبيل" رخائه وسعادته" استخرج من باطن الأرض الطاقة التي مكّنتهُ من غزو الفضاء، واختراع الطائرات والمركبات التي اخترقت الحجُب، وللمزيد من "رخائه" جعل نفسه "سيّد" كلّ ما يقع تحت يديه، فاخترع الأمطار في غير وقتها، وبنى السّدود لحصر المياه، وجفّف البحيرات، وحوّل الأنهار عن مجاريها، واستعمل الطاقة للتّدفئة، والهواء المُكيّف لتبريد مسكنه ومخدعه، واقتلع أشجار الغابات لبناء مساكنه وتزيين مكاتبها وصناعة سُفنه، المحيطات لم تسلم من تجارب أسلحته النووية، وصواريخه بعيدة المدى، وباطنها لم يسلم من استخراج ثرواته من الأسماك والرّخويّات والجذوع المرجانية، حتى الجبال العالية لم تسلم من انتهاك صفائها وشموخها، فجُعلت مراكز للتّزلّج والتّنزّه والتّرفيه، ولم يكتفِ بكلّ ما ارتكبتهُ أيديه من موبقات وجرائم بحقّ الطبيعة وحقّ الإنسان نفسه، فراح يبني أنظمته السياسية والقانونية والمالية والإيديولوجية التي تُشرّع استغلاله وجبروته، كما أقام أنظمة الحكم التي غالباً ما تتحوّل إلى أنظمة شمولية واستبدادية عنيفة ودمويّة.
اقرا ايضا : حزب الله ضد صندوق النقد الدولي يا معالي وزير المالية، للعلم والخبر
هذا الإنسان "الجبّار" يرتعد اليوم أمام "فيروس" الكورونا،( covid-19)، مخلوق لامرئي، نحتاج لتكبيره ألفان وستمائة مرّة (٢٦٠٠ مرّة) لنتمكّن من رؤيته، مخلوق عجيب لا يملك عقلَ ووعي الانسان، ولا علمهُ وعظمته وحضارته، يقف هذا الإنسان أمامه خائفاً جزعاً ترتعد فرائصه، حائراً أمام خطورة هذا المخلوق الضعيف، الذي تمكّن خلال أسابيع معدودة من شلّ النّظم المالية والاقتصادية والتجارية والصّحية والتعليمية والتّنقّلات الداخلية والخارجية، وتخريب العلاقات الإجتماعية والنفسية، مخلوق عجيب يتنقّل بحُرّية وجرأة حول الكرة الأرضية دون استئذان وجواز مرور، يسخر من هذا الإنسان قائلاً له: لستَ أكثر من أكذوبة، من طبلٍ منفوخ يمكن ثقبه بسهولة، من مسخرة، من "كراكوز" مصنوعٍ من جلد الماعز، توضع على لسانه مهزلة "عظَمة" المسيرة الانسانية برُمتّها.