من المتوقّع ان تباشر مؤسسات التصنيف الدولية في خفض تصنيف لبنان السيادي الى متعثر (Default (D ، وذلك إبّان اعلان رئيس الحكومة حسان دياب امس الاول تعليق دفع مستحقات لبنان من اليوروبوند.
 
 
كشف مصدر مطلع لـ«رويترز»، أنّ من المتوقع بدء مفاوضات إعادة هيكلة الدين بشكل رسمي بين لبنان وحَمَلة السندات في غضون نحو أسبوعين. وأكّد أنّ المصارف اللبنانية، وهي حائز كبير على الدين السيادي، مستعدة لإجراء محادثات مع الدائنين الأجانب، في ظل سعي الحكومة لإعادة هيكلة الدين.
 
أضاف المصدر: «لا يوجد جدول زمني بعد لإعادة الهيكلة، ومن المتوقع أن تبدأ المحادثات مع الدائنين الأجانب ببطء». وكشف انّ جمعية مصارف لبنان كلفت «هوليهان لوكي» كمستشار مالي للمساعدة في العملية.
 
وتابع المصدر: «إنّ حَمَلة السندات اللبنانية يكثفون جهودهم لتشكيل مجموعة تمثلهم، بعد اعلان الحكومة تعليق سداد الديون»، لافتاً الى انّ هذه المجموعة ستجتمع قريباً. أضاف: «ندرك أنّ الحكومة تريد أن تتحلّى بالتعقّل وكذلك أغلب الدائنين. هم يتفهمون أنّ البلد في موقف صعب».
 
وعن الخطوات التي ستلي تعليق لبنان سداد ديونه، وما ستحمله الايام المقبلة نتيجة هذا القرار، قال الخبير المصرفي مروان مخايل لـ«الجمهورية»، انّه وبعد تعليق دفع مستحقات لبنان، قد تلجأ مؤسسات التصنيف الدولية الى خفض تصنيف لبنان الى متعثر، ولكن لا معنى لهذا الخفض، لأننا أصلاً في وضع متعثر بمجرد لجوء المصارف الى فرض قيود مصرفية على الودائع capital control. كما ليس في إمكاننا اصدار سندات «يوروبوند» جديدة او الذهاب الى الاسواق المالية العالمية.
 
لذا، فإنّ التعثّر لن يؤثر علينا. عدا عن انّ المصارف المراسلة تتشدّد أصلاً في التعامل مع المصارف اللبنانية، فهي لم تعد تعترف او تقبل بالكفالات المصرفية (Lettre de Garantie) الصادرة عنها، حتى بات يُستعاض عنها بالنقدي. وشرح مخايل، انّ الشركات اللبنانية تعاني كثيرًا اذا ارادت تحويل شيكات مصرفية من الخارج، فقد بات لزامًا عليها ان تؤمّن المبلغ نقدًا بالكامل حتى تتمكن من تأمين الكفالة.
 
ورداً على سؤال، اوضح مخايل انّ الخطوة التي تلي اعلان تعليق سداد المستحقات تتمثل ببدء التفاوض مع المقرضين، وخلال التفاوض على الدولة ان تقدّم خطتها المالية والاقتصادية لتظهر للمقرضين انّها تعمل على وضع الديون على نحو مستدام بالنسبة الى الناتج المحلي.
 
وقال: «لو افترضنا انّ الدولة ستُقدم على haircut بنسبة 50 في المئة على الديون، من حق المقرضين التأكّد والاطمئنان في الوقت نفسه انّهم اذا ضحّوا بهذه النسبة راهناً، سيكون في إمكانهم ان يقبضوها في المرحلة المقبلة، لافتاً الى انّ عدم اعلان الحكومة عن خطتها الاقتصادية للمرحلة المقبلة لن يكون له اثر سلبي على مرحلة التفاوض مع الدائنين».
 
وعمّا اذا كان تعليق السداد سيشمل الـ27 سلسلة المتوجبة على الدولة هذا العام، أكّد مخايل انّه مع بدء المفاوضات مع الدائنين ستقوم الدولة بإعادة هيكلة شاملة وعامة لكل ديونها، وليس فقط مستحقات آذار، والدفع يبقى معلقًا الى حين التوصل الى نتيجة مع الدائنين، فإذا تمّ الاتفاق فرضاً على تسديد 60 في المئة من الديون على فترة 30 عامًا، عندها تدفع المبلغ المُتفق عليه، او ربما يتمّ التوصل الى اتفاق على إطالة آجال الدين او خفض الفوائد...
 
 
وعن سبب تكليف جمعية مصارف لبنان «هوليهان لوكي» كمستشار مالي، أوضح مخايل، انّ المصارف لجأت الى تسمية مستشار مالي لتوكيله في مفاوضاتها مع الدولة، على غرار ما فعلت الدولة بتوكيلها مستشاراً مالياً.
 
خطة الحكومة جاهزة
 
واكّد مخايل انّ خطة الحكومة المالية باتت شبه جاهزة، انما يبقى ان تكتمل الخطة الاقتصادية التي تعدّها لتصبح الخطة شاملة. اما عن لجوء الحكومة الى خطوات موجعة كان سبق وطرحها صندوق النقد الدولي، مثل زيادة الضريبة على القيمة المضافة او زيادة سعر صفيحة البنزين من دون الاستعانة بالصندوق، وبالتالي عدم الحصول على الاموال، قال: «من المتوقع ان تلجأ الحكومة الى خطوات غير شعبية كما سبق واكّد رئيس الجمهورية ذلك. انما قبل ذلك عليها ان تبدأ باتخاذ قرارات جذرية، مثل ترشيد الانفاق عبر إلغاء الصناديق غير المجدية والقيام ببعض الإصلاحات، اكان على صعيد الإنفاق، او الايرادات، مثل اجراءات لمكافحة التهرّب الضريبي. بعد ذلك ربما يصبح مقبولًا فرض ضرائب غير شعبية».
 
في المواقف
 
وكان وزير الاقتصاد راوول نعمة أكّد في تصريح، أنّ المفاوضات الرامية الى إعادة هيكلة الديون بالعملات الأجنبية لن تستغرق أكثر من 9 أشهر إذا خلصت النوايا.
 
وأشار انّ «الحكومة تنتظر الآن موقف حاملي سندات اليوروبوند»، متوقعاً أن يكون موقفهم «إيجابيًا». وعن إمكانية مقاضاة لبنان في الخارج قال، إن من الممكن أن يُقدم الدائنون على رفع دعاوى بحق مصرف لبنان المركزي لكنهم لن يربحوها.
 
ورأى مروان بركات، رئيس قسم الأبحاث في بنك عوده في حديث لـ»أف ب»، أنّه يجب أن تتضمن خطة الإصلاح التي ستضعها السلطات بشكل خاص «التقشف» في ما يتعلق بالإنفاق العام، بالإضافة إلى «تحسن في تحصيل الضرائب، وخفض خدمة الدين وإصلاح قطاع الكهرباء»، الذي يُعد الثغرة المالية الاكبر.
 
أما محمد فاعور، المتخصّص في الشؤون المالية في جامعة كوليدج في دبلن، فنبّه إلى انّه من اجل اجراء مناقشات مثمرة، فأنّ «الشرط الرئيسي» هو «خطة إنقاذ اقتصادية مجدية وذات صدقية».
 
وقال: «من وجهة نظر الدائنين، من الأمثل أن يشكّل ذلك جزءًا من خطة دعم صندوق النقد الدولي، ما سيمنح لبنان قوة في مفاوضاته».