أكد رئيس الحكومة حسان دياب أن "الوطن بمرحلة دقيقة من تاريخه، فيصارع البلد بقوة الارادة التي يمتلكها كي لا يتبلعه الدوار، واللبنانينون معروفن بالإنتصار على الأزمات"، معتبرا أن "الرهان اليوم على قدرة اللبنانيين على خوض معركة استقلال جديدة للتحرر من عدو يمارس السطو على حاضر اللبنانيين ومستقبلهم".
وفي كلمة موجهة للبنانيين، اعتبر دياب أن "اللبنانيين قاوموا الإرتهان وانتصروا، والظروف الاستثنائية التي نعيشها هي انعكاس لازمة غير مسبوقة تضع لبنان على مفترق طرق، والحكومة انصرفت إلى دراسة الاوضاع المالية للدولة والخيارات المتاحة لمعالجة الأزمة العميقة التي يمثلها الدين العام"، مشيرا الى أن "صرخة 17 تشرين كانت مدوية في مواجهة الفساد والهدر وسوء الادارة وسياسيات مالية واقتصادية خانقة وكانت الشرارة التي انارت الطريق لوضع حد لمسار الفساد وتلك السياسات التي أدت إلى تراكم الديون وفوائدها".
وسأل دياب :"هل يمكن لبلد أن يقوم إقتصاده على الاستدانة ونحن اليوم ندفع ثمن السياسات الخاطئة، وأصبح الدين أكبر من قدرة لبنان على تحمله أو تسديد فوائده وكل الاقتصاد اللبناني أصبح أسير تلك السياسات"، معتبرا أن "في يوميات اللبنانيين معاناة مريرة مع البطالة والغلاء وتدني البنى التحتية ما يضيف مآسي وصعوبات في حين كانت موارد الدولة تستنزف في ظل عجز عن اخذ اجراءات توقف النزف في مالية الدولة".ولفت دياب الى ان "مجموع الدين العام تخطى 90 مليار دولار، وأدى تدني مستوى الاحتياط بالعملة الصعبة إلى مزيد من الضغط على العملة الصعبة".
واوضح دياب أنه "بحسب تقديرات البنك الدولي أكثر من 40 % من السكان قد يجدون نفسهم تحت خط الفقر، وذلك بسبب أن النموذج الاقتصادي الذي أرسته السياسات السابقة أثبت عجزه"، مشيرا الى ان "واقع اليوم أن كل 1000 ليرة من ايرادات الدولة يذهب أكثر من 500 ليرة منها على خدمة الدين، وهذا النهج غير مستدام ولا يمكن أن يستمر خصوصاً أن لبنان بات على مشارف أن يصبح البلد الأكثر مديونية في العام نسبة إلى حجم الإقتصاد، وأدى ذلك إلى تضخم ميزانيات المصارف والمصرف المركزي بشكل أكبر بكثير من حاجتنا وهذا النموذج غير منصف إذا تستفيد منه أقلية وتتضرر الأكثرية".ولفت الى انه "من بين كل 1000 ليرة في المصارف يتم استثمار 300 ليرة على الاقتصاد الحقيقي ونحن نواصل انفاق الدولارات أكثر من جذبها".
وشدد دياب على أن "الفساد أنهك كاهل الدولة ففرض نفسه في شتى المجالات العامة وكان في البداية خجولا واليوم أصبح فاجرا وجزءا رئيسيا من مقومات الدولة والمجتمع، ولم يعد ممكنا الاستمرار في الاستدانة من أجل تمويل الفساد، كما ان الحروب والنزاعات أدت إلى خنق الرئة الاقتصادية للبنان وأضيف إليها النزوح"، مشيرا الى "اننا اليوم نواجه استحقاق 4.6 مليار دولار في العام 2020 وتستحق الدفعة الاولى بعد يومين وأمام هذا الاستحقاق لا يسعنا إلا حماية مصلحة الوطن والشعب واحتياطاتنا من العملة الصعبة تدفعنا إلى تعليق سداد استحقاق 9 آذار من اليوروبوند".
ورأى دياب أن "هذا القرار لم يكن سهلا بل جاء بعد دراسات معمقة لعدد من الخيارات المتاحة، وقرار تعليق الدفع هو اليوم السبيل الوحيد لوقف الاستنزاف بالتزامن مع اطلاق برنامج شامل للإصلاحات"، معتبرا أن "هذا القرار نابع من حرصنا على مصلحة كل المواطنين ومن تصميمنا على استعادة قدرة الدولة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم".
وتساءل دياب :"كيف يمكن أن ندفع للدائنين في الخارج واللبنانيون لا يستطيعون الحصول على أموالهم من المصارف، أو لا نستطيع تأمين الرعاية الصحية أو هناك من ليس لديه المال لشراء الخبز"، مؤكدا ان "الدولة غير قادرة على تسديد الاستحقاق المقبلة، وستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها بما يتنساب مع المصلحة الوطنية عبر خوض مفاوضات حسنة النية"، مشيرا الى ان "أكثر من 50 دولة تخلفت على سدد ديونها ومن طبق الاصلاحات اللازمة تعافى ونحن مصممون على ذلك، والحكومة تصرفت منذ ولادتها على صياغة برنامج إصلاحي يرتكز على معالجة الدين ضمن برنامج يهدف إلى اعادة الثقة إلى بلدنا".
وشدد على أن "إعادة التوازن للمالية العامة تتصدر سلم أولويتنا ولا يجوز أن ننفق أكثر مما نجني، والبرنامج الاصلاحي سيؤمن موارد إضافية تستفيد منه قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية وتهدف إلى خفض النفاقات، وطلبت من الوزراء إقتراح إصلاحات ونتعهد بالوقوف سدا منيعا بوجه التهرب الضريبي وسنطلب شبكة امان اجتماعي لحماية الطبقات الأكثر فقرا وباشرنا باعداد استراتجية وطنية لمكافحة الفساد وستبلور اللجنة المختصة النور قريبا".
واضاف :"لأن الشفافية هي الطريقة الفضلى لمكافحة الفساد، فقد تقدمت الحكومة بمشروع قانون يرمي إلى كشف السرية المصرفية عن كل من تولى ويتولى الشأن العام وبدأ إصلاح النظام القضائي من خلال التشكيلات القضائية، وستساعدنا هذه الاجراءات على الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى المنتج، ولبنان الغد سيرتكز أكثر على الصناعة والزراعة والمعرفة والتكنولوجيا بالاضافة إلى قطاعي السياحة والخدمات وسنعمل على تطوير قطاعنا المصرفي".
وشدد دياب على "اننا لا نحتاج قطاع مصرفي يفوق بأربعة أضعف حجم اقتصادنا ويجب إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وسنعمل على حماية الودائع في القطاع المصرفي خاصة ودائع صغار المودعين الذين يشكلون أكثر من 90% من الحسابات وعلينا وقف النزيف المالي وسنقدم مشروع قانون لتنظيم العلاقة بين المصارف والعملاء لتصبح أكثر عدلا وانصافا".
ولفت الى "اننا ملتزمين برؤية الاستقرار والنمو المقترحة في سيدر والاصلاحات التي تم التوافق عليها في المؤتمر ستطبق لأنها أساسية، وهذه الاصلاحات مهمة لاعادة الثقة والدعم من الاشقاء العرب والمجتمع الدولي"، معتبرا ان "اعادة هيكلة الدين والاصلاحات الجريئة تحتاج إلى وقت وجهد وتدابير صعبة ويحتاج ذلك إلى تكاتف وصبر لتحقيق الاصلاحات من أجل صون لبنان ومستقبل اللبنانيين".
وراى دياب أنه "اذا تسلحنا بوحدتنا خلال هذه الأزمة وركزنا على وطننا أنا واثق بالإنتصار حتما لنبني معا لبنان أقوى وأكثر نجاحا".