في انتظار القرار النهائي الذي سيعلنه رئيس الحكومة حسان دياب عند السادسة والنصف مساء اليوم، تترقب الأوساط السياسية والمصرفية والمالية ما ستكون عليه ترددات القرار وتداعياته على البلاد ومصالح اللبنانيين عموما ولا سيما الجانب المالي الذي يقض مضاجعهم بين اكتوائهم بالارتفاع غير المسبوق للدولار والعملات الأجنبية او لجهة الحديث عن مصير ودائعهم في المصارف المهددة في اكثر من جانب.
وقالت المصادر المالية والقانونية التي تراقب ما يجري لـ "المركزية" قبيل الإجتماعات التي بدأت في بعبدا قبل الظهر، ان الخيارات المطروحة ليست كثيرة بعد التسليم بعدم قدرة لبنان على دفع مستحقات الدفعة الأولى من "سندات اليوروبندز" المستحقة للعام 2020 قبيل البحث بمراحلها الثلاث بدءا باستحقاق التاسع من الجاري بقيمة مليار و200 مليون دولار ودفعة 19 نيسان بـ 700 مليون دولار و26 حزيران المقبل بـ 600 مليون دولار بالإضافة الى الفوائد المترتبة على الدفعة الأولى التي تقدر بحوالى 282 مليون دولار.
وامام هذه الإستحقاقات الكبرى التي على لبنان الاستعداد للتعاطي معها للمرة الأولى في تاريخ علاقاته مع المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة والمدينة من دول ومؤسسات محلية ودولية، تبدو الصورة ضبابية الى درجة عالية. فالجميع يقر ان لغة العلم والمال التي تتحكم بمثل هذه القرارات غائبة بعدما تقدمت اللغة السياسية المتحكمة بها في غياب اي تصور نقدي ثابت يمكن ان يحكم المرحلة ويحدد الآلية التي على لبنان اتباعها. فهي يجب ان تكون مبنية على قدرات لبنان المالية والظروف المحيطة باوضاع الجهات الدائنة سواء كانت داخلية او خارجية من قبل اشخاص او مؤسسات لا فرق. فالسلة المالية لا تفرق بين حقوق هذه الأطراف كافة وهم من جانبهم في صف واحد يخوض المواجهة مباشرة مع الحكومة اللبنانية التي عليها ان تفي بتعهداتها ايا كان الثمن.
وفي هذه الأجواء، وايا كان القرار اللبناني يعتبر المراقبون ان على اللبنانيين ترقب المراحل التي تلي اي قرار، فهي كلها صعبة ومُرّة للغاية. فان دفع لبنان بعضا مما هو متوجب عليه سيكون عليه خوض مفاوضات شاقة من موقع الضعيف مع باقي المستحقات مما تبقى من السندات وهي على الأبواب وليس هناك فترة طويلة فاصلة بين اول الإستحقاقات والتي تليه فهي لا تتعدى الأسابيع التي لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.
وبناء على ما تقدم، يبدو ان الظروف السياسية التي ستواكب القرار هي الأصعب والأكثر سلبية على مستقبل الوضع، فالانقسام الذي تسبب به تفرد الثنائي الشيعي لن يقف عند حدود رفضهم التعاطي مع حقوق المالكين للسندات بل تتعداه الى رفض اي اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يمكنه أن يمسك بايدي اللبنانيين لفتح الأبواب لاحقا امام اسواق المال والسندات لتوفير ما يحتاجه لبنان من مليارات الدولارات لمواجهة العجز التجاري الكبير والخلل القائم بين حجم الواردات والانفاق ومن اجل تصحيح الوضع المالي المختل. هذا عدا عن السعي الى تعويض المليارات المفقودة من حسابات مصرف لبنان ومواجهة طلب اللبنانيين للعملات الأجنبية المفقودة والنادرة التي باتت جداول على شاشات الكومبيوتر ودفاتر التوفير وفي الحسابات البنكية كأرقام وهمية لا يمكن تلمسها بالعملة الورقية.
ولئلا تجرى مقاربة الوضع القائم اليوم باستخفاف امام حجم الكارثة ومجموعة القرارات المنتظرة والتي وصفت بانها صعبة وقاسية على اللبنانيين حكومة وشعبا - يؤكد الخبراء الماليون والإقتصاديون - ان المطلوب رجل يتمتع بمواصفات "جيمس بوند" لمواجهة ليس أزمة "اليوروبوندز" فحسب، انما لتقويم الوضع المالي ورسم خريطة الطريق الى مرحلة القيامة وهي طويلة وشاقة. ولذلك يعتقد هؤلاء ان " جيمس بوند" رجل "مفقود" كما يفتقد اللبنانيون رجال الدولة المؤهلين لمواجهة الأزمة. وهو ما يدفع اللبنانيين الى رفع الصلاة للخروج من المأزق القائم باقل الخسائر الممكنة!