يحكى أن الفيلسوف اليوناني سقراط، كان يعيش مع أمه في منزل متواضع، وفي أحد الايام وجدا داخل المنزل آثارا لبعر فأر وفي مكان ثان من المنزل أيضا آثارا لبعر جرذ، والتفريق بين البعرين كان واضحا بسبب حجم كل واحد منهما ، فأخذا يبحثان في الأرجاء وبين الأثاث عن الفجوات التي تسلل منها كل من الجرذ والفأر، فعثرا على الثقب الأول وكان كبيرا بعض الشيء فأقفلانه، والتفت سقراط إلى أمه قائلا : هذا ثقب الجرذ لأنه كبير بقي علينا أن نجد الثقب الأصغر الذي دخلت منه الفأرة !! وبعد أن عجزا عن إيجاد الثقب الثاني وأنهكما التفتيش عنه مع إصرار سقراط على إيجاده، التفتت الأم لتقول : من قال لك أن الفأرة لا تتسلل أيضا من نفس الثقب الكبير؟!! حينها رمى سقراط بنفسه جنب والدته وأخذ يضحك بأعلى صوته.
هذه الحكاية، إن دلت على شيء فإنها تدل على أن الانسان ومهما كان يتمتع بعقل علمي كبير وثقافة هائلة فمن الممكن أن تغيب عنه بديهيات بسيطة جدا فلا يدركها ولا يستطيع أن يراها د.
وفي حياتنا اليومية في قرانا ومدننا، بالخصوص نحن الذين نتعاطى الشأن العام، كثيرا ما نصادف شخصيات من حمَلة الشهادات العلية ومن حمَلة العناوين العلمية (بروفيسير- دكتور – مهندس – محامي..)، لا علاقة لهم البتة بأبسط البديهيات السياسية والإجتماعية، ولا نستغرب أبدا أن كثيرين من حمَلة الشهادات هؤلاء يتحولون في قرانا إلى ألعوبة صغيرة بأيدِي "رابط" الضيعة أو المسؤول التنظيمي لحزب معين.
بالرغم من التفاوت العلمي الكبير بينهما إلا أن العمل الحزبي جعل من الثاني شخص "مكحكح"، فيما بقي التكنقراطي "المثقف" غارقا في جهل العمل السياسي والحزبي ومداخله ومخارجه،
فالناس عندما خرجت إلى الشارع وطالبت بحكومة "تكنوقراط"، فهي حتما لم تقصد الإتيان بحملة شهادات جهلة، لا علم لهم ولا إدراك بالشأن العام وبالمعادالات السياسية البديهية منها والمعقدة كالتي جيئ بها.
فالبروفيسير حسان دياب كما ينقل عنه مقربون هو يصرّح ويؤكد أن لا علاقة له بالسياسة والسياسيين، ويتفاخر بأنه لا يفهم بالسياسة لدرجة أن واحدة من أبسط بديهيات ألف باء السياسة غائبة عن ذهنه أو مغيبة، فهو لم يدرك حتى اللحظة أن المجتمع العربي (الخليجي خصوصا) والمجتمع الدولي يتطلع إليه وإلى حكومته بأنها حكومة اللون الواحد المحسوبة على حزب الله وفريقه!! ويتساءل دياب بكل سذاجة أمام زواره : "طيب أنا مش بالحزب ليش السعودية ما بدها تستقبلني وتساعدني" ؟؟؟؟
وبسبب هذا الغباء السياسي (كما يقر هو)، فقد فَهم أو أفهم أن طرفا ما (سعد الحريري) هو من يعرقل لك أي تقارب مع المجتمعَين العربي والدولي حتى لا تنجح حكومتك وتنقذ لبنان من المأزق الذي نعيشه، وهذا ما يعبر عنه ب"الاوركسترا" .
فإذا ما سلمنا بأن عجز دياب وحكومته هي أمر واقع وأنه غير مدرك للأسباب الحقيقية (سقراط والفأر – الجهل) التي تقف خلف هذا العجز (كما يؤكد مقربون منه)، فإن المسؤولية الكبرى التي ترتقي إلى مستوى الجريمة بحق الوطن تقع هنا على عاتق الفريق الذي أتى به وبهذه الحكومة السخيفة في لحظة هي من أصعب اللحظات في عمر لبنان، لأن هذا الفريق "المكحكح و المجرم" يعرف جيدا بأن الناس التي طالبت بحكومة تكنوقراط إنما أرادت رئيس حكومة يفهم بالسياسة ويدرك كل مفاصل اللعبة السياسية إلا أنه غير معني باعتباراتها ولا يتصرف وفق معايرها وينكب فقط لمعالجات الازمة بعيدا عن حساباتها الضيقة وأن تكون المصلحة الوطنية العليا هي الغاية المنشودة بعيدا عن أي حسابات أخرى.
هذا التكنوقراط الذي أرادته الناس وليس التكنوقراط الغبي الذي يتحول إلى مشكلة إضافية فوق مشاكل البلد كما هو حاصل الآن ، وهذا حتما غير خاف على من أتى به لأنه لا يريد خيرا للبنان واللبنانيين مهما ادعى حرصه عليهم .