الضاحية مجددا أمام سطوة القمع والترهيب، والمشاهد التي انتشرت يوم أمس في مناطق عدة تؤشر إلى اتساع الهوة بين المقاومة وبيئتها، وبين حزب الله وأهله، في وقت لم يبق لمواطني الضاحية وأهلها كسائر طبقات الشعب اللبناني، لم يبق لديهم شي من مقومات العيش الكريم وتحول أشرف الناس وأطهر الناس إلى متسوّلين لتأمين لقمة العيش كما تحول هؤلاء إلى أذلة أمام البنوك والمستشفيات ومحطات الوقود ومراكز البيع كافة.
هؤلاء ما زالوا يرفضون هذا الذل، فخرجوا مساء أمس إلى الشارع في ثورة غضب تجاه كل ما يحصل من تعديات على حقوقهم ومكتسابتهم ولقمة عيشهم مثلهم كمثل بقية الشعب حيث انعدت أمامهم فرص الحياة والإستمرار فضلا عن المستقبل المجهول لأولادهم وأطفالهم في ظل هذه السلطة التي يمعن حزب الله ويصر على حمايتها بالرغم من فضائح الفساد والسمسرات وبالرغم من مصارحة رئيس الحكومة بانعدام أي حلول تجاه مشاكل الشعب اللبناني.
والسؤال المطروح اليوم لماذا هذا الإصرار على القمع والترهيب خاصة في البيئة الشيعية والحال من سيء إلى أسوأ؟ فيما لم يفعل الحزب أي شي يذكر لهؤلاء الناس ويصرّ قياديوه ومسؤولوه على إطلاق الشعارات من قصورهم ومكاتبهم وكأن على هؤلاء الناس الإنتحار لأجل المشاريع والأهداف السياسية التي لم تعد تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد وهم في حالة احتضار على كل المستويات ولم تعد تهمّهم الانتصارات ولا الشعارات ولا المحاور المصطنعة لمواجهة "الغطرسة الاميركية".
إقرأ أيضًا: العقوبات على حزب الله من الداخل والخارج هل فات الأوان؟!
حزب الله يضع نفسه في مواجهة ثورة حقيقية ثورة من الداخل لم يعد باستطاعته احتواءها لأن المشكلة أصبحت أكبر بكثير من أبر التخدير وأكبر بكثير من شعارات المقاومة التي يأكلون بها رؤسهم الاتباع والمناصرين الذين لم يعد بإمكانهم الحصول على ما يأكلونه في وقت سرقت أموالهم ومدخراتهم ولقمة عيشهم من هذا السلطة وأقطابها تحت رعاية حزب الله وحمايته وعلى عيونه .
قيادة حزب الله معنية اليوم أكثر من أي وقت مضى بتعديل الأولويات وربما الأهداف بما يضمن المعالجة الفورية للأزمة المعيشية، ولما كان الحزب لفترات طويلة ممسكا بقرار البيئة الشيعية ولما كانت هذه البيئة مستجيبة لكل الخيارات والتطلعات السياسية التي يردها الحزب فحريّ به اليوم بل يجب عليه اليوم قبل الغد أن يقف إلى جانبها بعيدا عن المكابرة، وبعيدا عن لغة التخوين وبعيدا عن القمع والترهيب لأن حجم المأساة بات كبيرا جدا، وبات يهدد الحزب نفسه بنفجار شعبي داخل بيئته قد لا يمكنه السيطرة عليه حتى بالسلاح .
إن مشاهد القمع والترهيب التي حصلت يوم أمس في الضاحية من قبل عناصر من حزب الله وبغضّ النظر إذا كانت بعلم القيادة أم لا، فإنها تنذر بعواقب وخيمة قد لا يريدها حزب الله في الوقت الراهن، ويجب على الحزب أن يتستشعر خطر البيئة التي لم يعد بإمكانها أن تسكت أكثر ولم يعد بإمكانها أن تتحمل أكثر، وليحتفظ أشاوس الجيش الإلكتروني على التواصل الإجتماعي باتهاماتهم بالتخوين والعمالة لأن في هؤلاء الناس من هم أكثر ولاءا والتزاما بمسيرة الشهداء ودماء الشهداء وتضحياتهم بل في هؤلاء الناس من عوائل الشهداء من يئنون من سطوة الازمة المعيشية أكثر من غيرهم.