أوصل التصعيد العسكري الجاري في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا حالة “الودّ” الظاهري بين تركيا وإيران إلى نهايتها، وأجلى التناقض العميق بين الطرفين، وذلك عندما وجدت ميليشيا حزب الله المقاتلة إلى جانب قوات النظام السوري نفسها في مرمى نيران القوّات التركية، الأمر الذي أثار حفيظة طهران ودفعها إلى توجيه إنذار لأنقرة.
 
وأدّى قصف جوّي نفّذه سلاح الجو التركي على المنطقة الممتدة من معرة النعمان إلى سراقب بجنوب شرق إدلب، إلى مقتل ما لا يقل عن خمسة عشر عنصرا من عناصر حزب الله اللبناني بينهم قادة ميدانيون إضافة إلى تدمير كم كبير من عتاد الحزب وأسلحته.
 
كما أوقع القصف خسائر فادحة في صفوف القوات السورية الموجودة في المنطقة وأدى إلى مقتل عدد من كبار قادتها بينهم ضابط برتبة لواء وآخر برتبة عميد ينتمي كلاهما إلى الطائفة العلوية.

وأصبحت تركيا، عمليا، باستهدافها ميليشيا حزب الله اللبناني الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، في حالة مواجهة مع طهران مناقضة تماما لما ظلّ الطرفان طيلة السنوات الماضية يسوّقانه بشأن تعاونهما الكبير في مختلف المجالات وتنسيقهما الواسع بشأن أعقد الملفات والقضايا.

وبذلك تأخذ العلاقة التركية الإيرانية المنحى ذاته الذي أخذته العلاقة بين أنقرة وموسكو عندما فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في إدارة التناقض الحاد في المصالح بين بلاده وروسيا باعتماد خطاب مزدوج يقوم على تسويق نفسه للداخل التركي ولجمهور حزب العدالة والتنمية كأحد صقور الدفاع عن المصالح التركية العليا، وللخارج، وتحديدا لموسكو وطهران، كرجل مرن وبراغماتي ومستعد للتوصل إلى تفاهمات وعقد صفقات تكفل مصالح الجميع، وهو الأمر الذي فشل أردوغان في تطبيقه عندما احتدم الصراع في إدلب وباتت تركيا بين خياري التخلّي عن مقاتلي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وتسليم المحافظة للنظام السوري وحليفيه الإيراني والروسي، أو التورّط المباشر في المواجهة العسكرية مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر.

ورغم استشراء الخلاف بين موسكو وأنقرة إلاّ أنّ الأخيرة كانت أكثر جرأة ضدّ طهران باستهداف القوات التابعة لها في إدلب.

ولا يبدو أنّ تركيا وروسيا راغبتان، أصلا، في الدخول في صدام مسلّح بشكل مباشر على الأراضي السورية، بينما يظل الامتعاض من التدخّل الإيراني هناك، إحدى نقاط التوافق القليلة بينهما.

ولا ترغب روسيا، التي بذلت الكثير على مدى سنوات لمنع سقوط نظام بشار الأسد الذي تعتبره أفضل ضامن لمصالحها في سوريا، في رؤية إيران وهي تجني ثمرة جهودها وتضحياتها وتوطّد نفوذها في البلد وتحكم السيطرة على قراره السياسي وجزء من أراضيه عن طريق الميليشيات التابعة لها في تكرار لما قامت به في العراق المجاور.

ويرى كايل أورتون، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن الوضع الحالي لم يكن هناك مفر منه، لأن نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين مصرون على استعادة السيطرة على سوريا بالكامل، بينما قدرة تركيا على التحكم في مجريات الأمور وتوجيهها على الأرض محدودة.

وتعلم تركيا يقينا بعدم اكتراث روسيا بضرب ميليشيا حزب الله في سوريا، وهو ما ثبت بشكل متكرّر لدى استهداف إسرائيل للمواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية. وقد أخذت أنقرة هذا المعطى بعين الاعتبار وهي تستهدف قوات تابعة لإيران.

ولم يستبعد مراقبون أن تكون تركيا باستهدافها مواقع حزب الله في سوريا بصدد محاولة استمالة الولايات المتحدة شديدة الاهتمام بتحجيم نفوذ إيران وقطع أذرعها في المنطقة.

وكانت واشنطن قد أظهرت تعاطفا لفظيا مع أنقرة في صراعها بإدلب لكنّ حكومة أردوغان نفسها قالت إن ذلك لا يكفي، مُطالبة الإدارة الأميركية وحلف شمال الأطلسي بدعم عسكري.

وقال مصدر سياسي تركي، إنّ “أردوغان أخطأ مجدّدا في حساباته، فواشنطن لا تنسى أن أنقرة رفضت في السابق تطبيق العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران، وأنّ الجيش التركي يخوض صراعا ضدّ الحلفاء الأكراد في سوريا”.

وأضاف المصدر في تصريح لـ”العرب” أن “تورّط أردوغان في إدلب مما يسعد واشنطن.. وما يزيد في سعادتها التورّط في مواجهة ضدّ الإيرانيين”.

وبينما أظهرت لقطات فيديو وتسجيلات صوتية عناصر من حزب الله وهم يستغيثون من “حصد” القوات التركية لهم بحسب تعبير أحد العناصر، ويحتجون على خذلان الجيش السوري والقوات الروسية لهم، اعترفت إيران عبر مركزها الاستشاري في سوريا بقيام “قوات الجيش التركي بقصف مواقع عسكرية تابعة للقوات الإيرانية وحلفائها من المقاومة المساندة للجيش السوري”.

ووجّه المركز الذي يتولّى التنسيق بين مختلف الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني والمقاتلة في سوريا، تحذيرا شديد اللهجة لأنقرة عبر بيان بثّته وكالة فارس الإيرانية وجاء فيه أنّ “القوات التركية موجودة منذ شهر في مرمى قوّاتنا وكنا نستطيع الانتقام، ولكننا لم نفعل ذلك تلبية لأوامر قيادتنا”.

وقال المركز في البيان ذاته “شاركنا وساندنا الجيش السوري بناء على طلب دمشق في فتح طريق أم 5.. ورغم الموقف الدفاعي لقواتنا، أقدم الجيش التركي من الجو وبدعم ناري وصواريخ دقيقة على استهداف عناصرنا وقواتنا، مما دفعنا إلى إرسال وسطاء للجيش التركي لوقف هذا الاعتداء”.

وأضاف “أبلغنا قواتنا بعدم استهداف القوات التركية داخل إدلب حفاظا على حياة الجنود، وقواتنا لم تطلق النيران، لكن الجيش التركي ما زال مستمرا في القصف المدفعي على نقاط الجيش السوري ومواقعنا”.