غير أنها، لتحقيق ذلك، تحتاج من الدول المتضررة أن تقدم معلومات تتسم بالشفافية والصراحة عن حالة التفشي، وهو ما تفعله جميع الدول المتضررة حاليا، ربما باستثناء إيران، التي مازالت تعيش حالة إنكار حيال الفيروس.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الدول أن تكون مستعدة لعزل المرضى والإصابات وفرض حالة من الحجر الصحي على بؤر التفشي، كما فعلت الصين حين عملت عزل بؤرة التفشي فيها، أي مدينة ووهان، التي بدء الفيروس بالانتشار منها، وهو ما لم تفعله إيران أيضا برفضها فرض حجر صحي على مدينة قم أو عزلها على الرغم من أنه من الواضح أنها هي بؤرة تفشي الفيروس في البلاد.
ومن الواضح أيضا أن هذا الإعلان يعني توصيات بشأن التجارة والسفر، بما في ذلك فحص المسافرين في المطارات وفي المعبر بين الدول سواء للأشخاص أو البضائع أو في مناطق تحميل الحاويات والموانئ.
التعرف على المرض
قالت منظمة الصحة العالمية إنها، ومع مرور الوقت، أصبح لديها معرفة أفضل بـفيروس كورونا الجديد، الذي أطلقت عليه اسم "كوفيد 19"، وبالمرض الذي يسببه.
وأوضحت أنها أصبحت تعلم الآن أن ما يزيد على 80 في المئة من المرضى، الذين أصيبوا بالفيروس والبالغ عددهم أكثر من 80 ألف حالة، يعانون من مرض خفيف وسيتعافون منه.
وأضافت أن ما نسبته 20 في المئة من المرضى الآخرين يعانون من مرض وخيم أو خطير، ويتراوح بين ضيق التنفس والصدمة الإنتانية والفشل المتعدد الأعضاء، مشيرة إلى أنه هؤلاء المرضى يحتاجون إلى عناية مركزة، باستخدام معدات مثل أجهزة دعم التنفس.
وقالت إنه في نحو 3 في المئة من الحالات المبلغ عنها، يكون الفيروس مميتا، ويتزايد خطر الوفاة مع تقدم المريض في السن ومع إصابته باعتلالات صحية سابقة، مع الإشارة إلى أنه تم تسجيل حالات قليلة نسبيا بين الأطفال، وأنه لابد من إجراء المزيد من البحوث لفهم سبب ذلك.
تفشي فيروس كورونا
ومع ذلك، قالت المنظمة إن تفشي فيروس كورونا الجديد أو "كوفيد 19"، لم يصل بعد مرحلة الوباء العالمي، كما حدث مع أمراض أخرى مثل الإيبولا، على الرغم من أن الصين قررت فرض "حظر شامل" على تجارة الحيوانات البرية وأكلها، واتساع نطاق تفشي الفيروس في كوريا الجنوبية واليابان وإيران وإيطاليا ودول أوربية وآسيوية أخرى.
وأوضح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدحانوم غيبريسوس، خلال مؤتمر صحفي بجنيف، أنه من المبكر إعلان حالة وباء عالمي بسبب "كوفيد 19"، معتبرا أنه ليس خارج السيطرة عالميا، ولا يتسبب في عدد كبير من الوفيات، لكنه شدد على ضرورة "تركيز الجهود على الاحتواء مع الإعداد لجائحة محتملة".
وبهدف احتواء الفيروس ومنع انتشاره إلى مناطق أخرى، خصوصا في الدول ذات النظم الصحية الضعيفة، وغالبا في أفريقيا، أطلق المجتمع الدولي خطة تأهب واستجابة عالمية بتكلفة 675 مليون دولار لفترة تمتد من فبراير إلى أبريل 2020.
واعتبر غيبريسوس إن أكثر ما يثير القلق هو أن هناك دولا تفتقر إلى النظم الكفيلة باكتشاف الإصابة بالفيروس لو حدثت، مضيفا "لا بد من تقديم الدعم الطارئ لتوطيد النظم الصحية الضعيفة وتمكينها من اكتشاف الإصابة بالفيروس وتشخيصه وتقديم الرعاية للمصابين به، من أجل الحيلولة دون تفشي انتقاله بين البشر وحماية العاملين في مجال الصحة".
ما هي حالات طوارئ الصحة العامة محل الاهتمام الدولي؟
بحسب الموسوعات ولوائح منظمة الصحة العالمية، هذه الحالة هي إعلان رسمي لأزمة صحية عامة يحتمل أن يكون لها تمدد عالمي، وتصدرها لجنة الطوارئ التابعة للمنظمة، والتي تعمل تحت لوائح الصحة الدولية.
ويحدد التعريف سمات معينة للأزمة الصحية المحتمل انتشارها دوليا، ومن شروطها أن يكون الانتشار خطيرا، أو مفاجئا، أو استثنائيا على نحو غير معتاد، بما يتطلب تحركا دوليا فوريا، وبالتالي فإن الإعلان يعتبر بمثابة برنامج عمل، وتدبير أخير.
ويؤدي الإعلان عن حالة طوارئ عالمية إلى تقديم توصيات إلى جميع الدول بهدف منع انتشار المرض عبر الحدود أو الحد منه، مع تجنب التدخل غير الضروري في التجارة والسفر، كما يشمل توصيات مؤقتة للسلطات الصحية الوطنية في جميع أنحاء العالم، ومن بينها تكثيف إجراءات الرصد والتأهب والاحتواء.
خطوات وتاريخ الإعلان
تتمثل الخطوة الأولى للإعلان عن الحالة في تشكيل لجنة الطوارئ في المنظمة، وتتألف من خبراء دوليين يقدمون المشورة الفنية إلى مدير عام المنظمة في سياق "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا"، ثم ترفع توصياتها حول الحالة، بما فيها توصيات مؤقتة ينبغي أن تتخذها الدولة "البؤرة" أو الدول الأخرى لمنع انتشار المرض أو الحد منه، وتجنب تأثيره غير الضروري في التجارة والسفر.
وفقا للمنظمة، فقد تم إعلان حالة الطوارئ العامة عبر تاريخها 6 مرات فقط، كان آخرها في الثلاثين من يناير الماضي، عندما تم إعلان فيروس كورونا الجديد بوصفه حالة طوارئ.
وصدر أول اعلان حالة طوارئ في أبريل 2009 عندما كان وباء إنفلونزا الخنازير "إتش 1 إن 1" لا يزال في مرحلته الثالثة، كوسيلة قانونية ملزمة دوليا للوقاية من الأمراض ومراقبتها والسيطرة عليها والاستجابة لها والتي اعتمدتها 194 دولة.
وفي مايو 2014، صدر الإعلان الثاني مع عودة ظهور شلل الأطفال بعد شبه القضاء عليه، وأعتبر ذلك "حدثا غير عادي".
وفي الثامن من أغسطس 2014، أعلنت منظمة الصحة العالمية ثالث حالة "طوارئ صحية عامة مثيرة للقلق الدولي" إثر تفشي مرض الإيبولا في غربي أفريقيا.
وفي الأول من فبراير 2016، صدر الإعلان الرابع ردا على مجموعات من حالات "صغر الرأس" و"متلازمة غيلان باريه" المشتبه بهم، رغم أنه لم تثبت علميا، لتترافق مع اندلاع فيروس زيكا في الأميركتين.
وظهرت الحالة الخامسة مع ظهور "وباء إيبولا" أو "كيفو إيبولا" بين عامي 2018 و2019، وتم الإعلان عنها تحديدا يوم 17 يوليو 2019.
وتمثل الإعلان عن تفشي "كوفيد 19" الحالة السادسة من إعلان حالة الطوارئ العامة.
الجدير بالذكر أن هناك إلزاما قانونيا لجميع الدول بالاستجابة الفورية لإعلانات طوارئ الصحة العامة، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
لم يصل مرحلة الوباء بعد
في العام 2009، تعرضت منظمة الصحة العالمية لانتقادات بعدما أعلنت عن تحول فيروس أنفلونزا الخنازير "إتش 1 إن 1" إلى وباء، باعتبارها استندت في قرارها إلى معايير لم تعد مستخدمة، وذلك على الرغم من أن هذا الفيروس انتشر في جميع أنحاء العالم، لكنه لم يكن بالخطورة المتوقعة، وبالتالي اتهمت المنظمة بأنها تسرعت في الإعلان عنه بأنه وباء.
وبحسب التعريف العام للوباء فإنه ذلك المرض الذي ينتشر في عدة دول حول العالم في نفس الوقت، وهو الأمر الذي لم يحدث في حالة فيروس كورونا الجديد، على الرغم انتشاره في نحو 26 دولة في العالم، ولكن في أوقات مختلفة، ومن دون أن يكون بالحدة أو الشدة نفسها.
ومع ذلك، تتعامل الكثير من وسائل الإعلام، وفي المجتمعات، مع تفشي الفيروس باعتباره وباء أو على الأقل تحت مسمى "وباء".
ولكن بالنسبة إلى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس فإن هذا الفيروس لديه القدرة على التحول إلى وباء عالمي، لكنه قال إنه في حالة "كوفيد 19" فإن الانتشار لم يكن عالميا بصورة غير مسبوقة، وبالتالي فإن مصطلح "وباء" لا يتناسب مع الواقع أو الحالة.
وشدد غيبريسوس على أنه انتشار فيروس كورونا الجديد ما زال محدودا وأن حالات الوفاة لم تحدث على نطاق واسع باستثناء الصين، وتحديدا منطقة مدينة ووهان ومقاطعة هوبي.