واحدة من أهم أدوات النظام الايراني التي منها يستمد شرعيته وشرعية بقائه هي إضفاء القداسة الإلهية عليه وعلى السلطة فيه وحتى على أتباعه، هذه القدسية التي تتكفل هي بحمايته ورعايته وتقويته وانتصاراته وتفوقه وتقدمه وبالتالي استمراره.
فالجمهورية الاسلامية هي جمهورية الاسلام المحمدي الاصيل، ومرشدها السيد الخامنئي هو نائب الامام المهدي الذي سوف يسلمه الراية حين يأذن الله له بالخروج ليملأ الارض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، وبهذا المعنى فإن النظام الايراني هو بعين الله وبعين صاحب العصر والزمان فلا يمكن لأي وهن أو ضعف أن يتسلل إليه مهما كان ومن أي جهة كانت.
إقرأ أيضًا: لو كنت أنا مكان سعد الحريري
بهذا المعني ومن هذه الزاوية فقط يمكن أن نفهم حاجة النظام الايراني للتستر عن انتشار وباء الكورونا بمعظم المدن الايرانية، وبالأخص بمدينة قم المقدسة، فالناس تولّي وجهها من كل أقطار العالم لزيارة ضريح الامام الرضا في مشهد وزيارة مقام فاطمة المعصومة في قم للتشافي والتبريك، فمن غير المنطقي أن تتحول هذه المدن التي تحتضن هذه المقامات المقدسة إلى مصدر أول لتفشي الوباء والموت، فهذا يعني أن واحدة من الأسس العقائدية عند الناس (الشيعة) سوف تتهافت، وتتهافت معها واحدة من أعمدة شرعية هذا النظام ومعه شرعية كل أذرعته بالمنطقة.
ومن هنا فقط يمكن أن نفهم إصرار حزب الله على رفضه القاطع بوقف الرحلات القادمة من ايران، وأن الخوف من الاقدام على هذه الخطوة ليس هو فقط لدواعي عسكرية أو أمنية أو مالية فقط، وإنما باعتقادي أن السبب الاول هو الخوف من زعزعة الثقة بالنظام الايراني، إذ كيف سيواجه حزب الله جمهوره الذي يخبره ليل نهار بأن جمهوريته الاسلامية هي دولة لا تقهر، وأن الدولة التي ركّعت جبروت اميركا في قاعدة عين الاسد وأن إنجازاتها العلمية وتفوقها في كل المجالات على باقي دول العالم ما كان ليكون لولا رعاية أهل البيت عليهم السلام لهذا النظام،
كيف سيخبرهم أن فايروس كورونا يمكن أن يصيب الحوزات العلمية بقم ومشهد المقدستين، وفيهما ومنهما يخرج علم آل محمد إلى كامل أرجاء العالم، وأن هؤلاء "المراجع العظام" لا يقدرون على اكتشاف دواء شافٍ يستخلصونه من القرآن الكريم أو من رواية روايات أهل البيت أو من نهج البلاغة أو ضياء الصالحين وفقه جعفر الصادق؟؟
فمن الآن وحتى قيام أحد المختبرات العلمية المتطورة في واحدة من دول العالم الحديث باكتشاف علاج لهذا الوباء، سوف يستمر النظام الايراني بإخفاء الحقائق المرعبة عن حجم الوباء وعن عدد المصابين وأرقام القتلى، وستبقى نظرية "المؤامرة" والتضخيم الاعلامي المقصود لاستهداف الجمهورية هو سيد الموقف، وإلى ذلك الحين وبعد اكتشاف العلاج في مكان ما من هذا العالم، ليخرج علينا حينئذ مراجع الحوزات ليخبرونا من على المنابر أن الدواء المشتكشف حديثا كان قد أوصانا به رسول الله أو أحد ائمة أهل البيت منذ 1400 سنة، لتعود الناس فتصدق ذلك وتنسى الاعداد المهولة لموتاها الشهداء، وهكذا بانتظار أن نعي أن الاسلام وتعاليم أهل البيت لا علاقة لهم لا بالطب ولا بإنتاج النظام السياسي.