ووصف في حديثه لـ"عربي21" المعركة الجارية في إدلب بأنها "معركة روسية"، موضحا أن "روسيا وصلت إلى حائط مسدود، لأنها لم تتوصل لحل سياسي يرضي حلفائها، وبالتالي لم تستطع الحصول على أموال الإعمار، إضافة إلى أن مصادر الأموال الداخلية تقع تحت سيطرة الولايات المتحدة التي تحكم مناطق إنتاج النفط والغاز والسلة الغذائية".
ويوضح بأن "أي عمل عسكري ثمنه تحقيق أهداف سياسية، لكن داعمي النظام وصلوا لحائط مسدود فهربوا للأمام، تحت شعار فرض سيطرة الأسد على كل الجغرافيا السورية"، منوها بأن "اللاعبين الإقليميين والدوليين لهم مناطق نفوذ في سوريا، لا يمكن للنظام أو داعميه الاقتراب منها".
واستشهد على ذلك بالتطورات الأخيرة في الشمال السوري، قائلا: "رأينا بمجرد اقتراب النظام من إدلب (منطقة النفوذ التركي)، فإن الأتراك أدخلوا 12 ألف مقاتل و2500 قطعة سلاح، وجلبوا قوات النخبة والخاصة، ودفعوا بتعزيزات من الدفاع الجوي والمدفعية وراجمات الصواريخ، وبدأوا بشن عملية عسكرية من أجل تحقيق مطالبهم".
ويقول: "تركيا تقرع طبول الحرب، وتحضر الحاضنة الشعبية داخل أراضيها لذلك، وتهيئ الرأي العام حول ضرورة هذه الحرب، عبر وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين".
لماذا سقطت حلب؟
وحول الخسارة التي منيت بها المعارضة في حلب، يعتقد الرحال أن "تركيا أخطأت باعتمادها على حليف لم يكن على مستوى المسؤولية (الجيش الوطني المعارض)، وعليها تصحيح خطئها" وفق ما صرح به الخبير العسكري.
ويشير إلى أن "الفصائل الموجودة بالداخل السوري لديهم ملفات فساد، وانشغلوا ببناء الثروة الشخصية، ومارسوا السطوة على الحاضنة الشعبية، وليست لديهم إرادة القتال، بما أضر بالثورة السورية".
واستدل على ذلك بالقول: "هناك مستودعات ذخيرة استلمها النظام في حلب كما هي، وحتى الوثائق التنظيمية لأحد التنظيمات تركها وراءه وذهب"، مشددا على أن "هؤلاء يشكلون عائقا أمام تركيا".
ويقول: "تركيا إذا أرادت القتال وحدها بإمكانها أن تنطلق، أما إذا أرادت أن تقاتل مع الفصائل المشكلة للجيش الوطني فيجب إعادة الهيكلة التنظيمية لهذه الفصائل من رأس الهرم إلى أدنى تشكيلات بها".
وينوه إلى أن "تركيا لديها ما لا يقل عن 3500 ضابط منشق، وهي قادرة على بناء قوة بالاعتماد على شخصيات اعتبارية لها أهميتها، وقادرة على بناء شريك يقف في الخط الناري الأول على رأس الهجوم والاقتحام لأنه الأعرف بالمنطقة، ويكون الأتراك نسق ثاني يقدم الدعم والإسناد المدفعي والصاروخي".
ويستدرك بالقول: "المقاتلون من القادة الصغار وأهل القرى هم شرفاء ومقاتلون أشداء، لكنهم بحاجة إلى قيادة شريفة تعرف توظيف إمكاناتهم وقدراتهم في المعركة بشكل صحيح".
العوامل الخارجية
ويرى الخبير العسكري أن المواقف الإقليمية والدولية "لن تسمح بسيطرة الأسد على الأرض السورية"، مشيرا إلى أن "الاتحاد الأوروبي بالمجمل موافق على العملية التركية في إدلب، لأنه يعلم أن 3.7 مليون سوري في تركيا و4 مليون سوري في المناطق المحررة جميعهم يرفضون نظام الأسد، أو البقاء في مناطق تسيطر عليها قوات الأسد".
ويردف قائلا: "إذا ما فُتحت الحدود ستغرق أوروبا في موجات من اللجوء لا يمكن تحملها وقد تؤدي إلى إسقاط حكومات هناك. هم مجبورون على القبول بالشروط التركية والحرب التركية لأنها توقف أمواج اللاجئين".
أما الولايات المتحدة "فتشعر أن هناك فرصة سانحة لإعادة أردوغان إلى الحضن الغربي"، مستدلا بتصريحات المبعوث الأمريكي لسوريا جيمس جيفري "أن أخطاء الغرب هي من دفعت تركيا إلى الذهاب بعيدا عن الناتو وعن الولايات المتحدة، والاقتراب من إيران وروسيا".
وتابع: "يبدو هناك نظرة مختلفة للإدارة الأمريكية تتبلور في المرحلة المقبلة، فترامب يؤيد المعركة ويصف أردوغان بالصديق القوي، ودعم ما يفعله في إدلب".
أما عن الموقف الروسي، فيقول: "لا أعتقد أنها تغامر بمصالحها مع تركيا مقابل مصالح بشار الأسد الضيقة، روسيا تشعر أن إيران صارت نمر كرتون بعد عملية الرد على عملية اغتيال قاسم سليماني، ولا يمكن الاعتماد عليها في مشاغلة أمريكا، وبالتالي من مصلحة روسيا أن تبقي الحليف التركي بجانبها".
واستبعد التدخل الروسي إلى جانب الأسد ضد القوات التركية، منوها "ممكن أن تتدخل بعد ذلك لتصل إلى حل وسط، فتعطي لتركيا ما تريده وبشكل لا يحرج حليفها".
ومن وجهة نظره فإن تركيا "لن تسمح بدخول النظام السوري إلى إدلب، لأنها خط الدفاع الأول عما حققته من سيطرة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، والتي يوجد لديها تفاهمات مع موسكو حولها".
حتمية الحل السياسي
من جانبه، يرى عضو اللجنة الدستورية، الدكتور يحيى العريضي، أن ما روجه النظام حول "المعركة الأخيرة" هو "لأغراض دعائية، وفيها الكثير من الخداع".
وفي حديثه لـ"عربي21" يقول: "عمليا النظام لا يتمنى أن تكون المعركة الأخيرة، فهو لا يقدر على ذلك، لأن استمرار النظام محكوم باستمرار التوتر والمعارك".
وتابع: "توقف المعارك معناه الالتفات لحل سياسي لا يقدر عليه النظام، لذا هو باستمرار عرقل هذا التوجه"، مؤكدا "لن يقدر النظام على الحسم بحكم القرارات الدولية والاستحقاقات الإجرامية التي تتراكم عليه".
ويرى بأن النظام مستفيد من استمرار المعارك من ناحية أنها "تزيح عنه الانتباه إلى حاجات الناس المعيشية والاقتصادية والاجتماعية. توقف المعارك يفتح الباب على قضايا كثيرة معيشية لا يستطيع حلها".
ومما يعيق سيطرة النظام من وجهة نظر العريضي أن "العالم يشترط لإعادة الإعمار وإعادة اللاجئين نجاح العملية السياسية، كما أن قانون قيصر الأمريكي الذي يُفرض بموجبه عقوبات على النظام وداعميه لن يسمح بسيطرته على الأرض".
ويشير إلى أن النظام يسيطر على "أرض مدمرة" نتيجة سياسة "الأرض المحروقة التي اتبعها، بما لا يفيده بشيء".
ويعتقد أن "المسيرة السياسية تتعرقل وتتعقد، لكنها المخرج الوحيد"، منوها إلى أن "الاستثمار الذي وضعه بوتين في سوريا قيمته صفر إن لم يكن هناك حل سياسي، فهو لا يستطيع أن (يأكل الفطيرة ويحتفظ بها) على حد وصفه.
ويؤكد أن صراع الشعب السوري مع منظومة الاستبداد ليس "صراعا على الجغرافيا"، موضحا "في وقت من الأوقات كان النظام يسيطر على كل سوريا، ومع ذلك ثار الناس عليه، حتى لو تشرد السوريون يبقى حقهم واضح".
ويختتم بالقول: "النظام ارتكب من الجرائم ما لا تستطيع روسيا ولا أي قوة في العالم أن تعيد تأهيله وإصلاحه. العملية السياسية ستأخذ مفاعيلها وسيكون هناك انتقال سياسي لكن الأمر سيأخذ وقت".