الخوشبوشيةً الواضحة في صورة وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف ، واليد التي يرفعها كيري ضاحكا وممازحا منتظرا يد لافروف ليضربا الكف على الكف ، لا توحي - اقله من حيث الشكل - ان بين الرجلين عقدا يستعصي حلها ، ان على مستوى الوضع السوري الذي شكل محور زيارة الوزير الأميركي الى موسكو ، او على مستوى غيره من الملفات الدولية الشائكة . فكيري قالها بوضوح : ًان الولايات المتحدة تؤمن حقاً بان لنا مصالح مشتركة مهمة جداً فيما يخص سوريا ً، وبالتالي طالما هناك مصالح مشتركة بين الكبار ، فالحل يمكن ان يطبخ بسرعة ويفبرك بقدرة قادر اذا قرروا . واذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعمد بالبداية اظهار عدم الاكتراث بالضيف الأميركي
بجعله ينتظر ثلاث ساعات في الكرملين ، وباللهو بالقلم اثناء لقائه به ، الا انه في ختام اللقاء قال له بالفم الملان : أنا سعيد حقاً لرؤيتك لان ذلك يوفر فرصة لمناقشة القضايا التي نعتقد انها صعبة ، وجها لوجه ... والنقاش بين الطرفين اظهر - كما اعلن - نية العودة الى تعويم اتفاق جنيف الذي يدعو الى تشكيل حكومة انتقالية في سوريا ، كما كشف الطرفان عن الدعوة الى عقد مؤتمر دولي ربما في نهاية شهر ايار الحالي يجمع ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة ، لتطبيق هذا الاتفاق . وقد تكون دعوة الحكومة السورية والمعارضة وحثهما على ايجاد الحل السياسي للازمة كما ورد على لسان الوزيرين الاميركي والروسي ، ليست بالجديدة ، وانما ما كان لافتا ومهما هو تأكيدهما التمسك بوحدة الاراضي السورية في سياق تنفيذ بنود اتفاق جنيف ، بما يقطع الطريق على كلام كثير قيل خلال مراحل الأزمة السورية ، يشير الى ان العقد المستحكمة بهذه الأزمة ، لامناص من تفكيكها الا عبر حلول التقسيم والكونفدراليات او ما شابه من السيناريوهات .
وتجدر الاشارة الى ان الرئيس الروسي حاول خلال مباحثاته مع كيري استبعاد نقطة خلافية بين واشنطن وموسكو ، كانت سببا رئيسيا في تعثر تطبيق الحل السياسي للازمة السورية العام الماضي ، الا وهي مسالة تنحي الرئيس السوري بشار الاسد عن السلطة ، وقد سانده وزير خارجيته في هذه النقطة عندما رد على أسئلة احد الصحافيين بالقول : ًان موسكو ليست معنية بمصير بعض الاشخاص ً.
والسؤال في النهاية يكمن في مدى قدرة واشنطن وموسكو على إقناع طرفي النزاع السوري - النظام والمعارضة - بالجلوس الى طاولة الحوار وتضييق الهوة الساحقة بينهما بعد هذه المجازر الدموية والارتكابات الفظيعة التي نشهدها في الميادين السورية .
ولعل من مفارقات الأقدار هنا ( اذا لم نكن سيئي النية ) القول ، ان الضربات الاسرائيلية الاخيرة
التي وجهت لمواقع في دمشق ، أتت في وقتها بالنسبة للرئيس الاسد ، فجعلته يشد من ازر قواته ومناصريه من جهة ، ويطرح نفسه امام الرأي العام العالمي من جهة اخرى انه في موقع الضحية التي تتآمر اسرائيل والمعارضة المسلحة ضدها ... وتماما فعل وزير الخارجية الإيراني
علي اكبر صالحي عندما قال بعد لقائه الاسد امس الاول : الان اتضحت الامور ، كيف يمكن لإسرائيل ان تتضامن مع المرتزقة ، وكيف للمرتزقة ان يضعوا ايديهم في ايدي الصهاينة ...
وعليه ، يصبح الجلوس على طاولة التفاوض المرتبة أميركيا وروسيا - اذا انعقدت - لها معايير مختلفة بالنسبة للنظام السوري ، فيما تبقى المعارضة ، أسيرة جولات وصولات الكر والفر على الارض .. الا اذا طرا ما ليس في الحسبان .