يسأل كثيرون عن جدوى هذه التحالفات وأهدافها ولمواجهة من؟ في الوقت الذي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك انّ القوى السياسية الساعية اليها تتحمّل المسؤولية عمّا آلت اليه البلاد من فساد وانهيار اقتصادي ومالي يصل الى حدود الافلاس.
كذلك يسأل كثيرون عن وجهة هذه التحالفات وطبيعتها وضد من؟ وما الغاية منها؟ أهي تقويض الحراك الشعبي الذي قلبَ الطاولة في وجه كل الطبقة السياسية وكشف فسادها وما ارتكبته أيديها من جرائم في حق اللبنانيين؟
وبين المراقبين من يعتقد انّ الحديث عن التحالفات السياسية في هذه المرحلة له بُعد شعاراتي فقط، لأنّ الواقع لم يعد يتقبّل أي تحالفات، اذ لا أولوية تعلو على أولوية الازمة المالية والاقتصادية والمعيشية، وهي ازمة متدحرجة ستدفع البلاد الى منزلقات خطيرة جداً في حال لم تلجمها معالجات في العمق، علماً انّ اي تحالفات ترتبط في مصيرها، بنحو أو بآخر، بالعمر الافتراضي لحكومة الرئيس حسان دياب الذي ما يزال موضع نقاش، ولكن يبدو انّ هذه الحكومة تأخذ فرصتها بغضّ النظر عن مدى قدرتها على الانجاز، وهي حكومة وجودها يعطيها المسؤولية والمعنويات والحضور بغضّ النظر عمّا يدور حولها.
ويرى هؤلاء المراقبون، في مراجعة للواقع الذي يبحث البعض في ظله عن تحالفات هي أشبه بالعودة الى الدفاتر القديمة في زمن الافلاس، انّ التسوية الرئاسية الشهيرة والتطورات السياسية والتحالفات التي أعقبتها منذ خريف 2016 كلها تخلخلت، فلا فريق 14 آذار بقي كما هو، ولا فريق 8 آذار أيضاً. فالعلاقة بين «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي» لم تعد كما كانت في مرحلة سابقة، والمواجهات التي دارت اخيراً «فوق السطوح» بين تيار «المستقبل» و»الاشتراكي» دَلّت الى الدرك الذي وصل اليه التحالف بينهما، امّا الشخصيات المستقلة في 14 آذار فقد «تفرطَعَت» ولم تعد هناك 14 آذار في شكلها الاداري السابق.
امّا على ضفة فريق 8 آذار فلم تعد هناك علاقة سوية بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وبين زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، ولم تعد العلاقة على ما يرام بين الحالة العونية وسنّة 8 آذار، علماً انّ العلاقة بين حركة «أمل» والتيار العوني لم تكن علاقة ثقة منذ اللحظة الاولى، وما يخفى فيها هو اكثر ممّا يُعلن. فضلاً عن انّ العلاقة بين «حزب الله» والتيار تشهد هي الأُخرى اضطراباً من حين الى آخر...
ولذلك، يرى المراقبون للمرة الاولى منذ العام 2005 انّ الواقع السياسي لا يشهد تحالفات فعلية حقيقية بين القوى السياسية، فهناك «فَرطعة» سياسية كبيرة، ولا توجد جبهة في مواجهة جبهة أخرى، وهناك أيضاً حالة جديدة تتمثّل في حالة الشخصيات المستقلة التي تعبّر عنها الحكومة التكنوقراطية، والتي شكلت حالة سياسية جديدة على أنقاض الحالة المرفوضة لدى الناس، فمنذ 17 تشرين الاول الماضي وبمعزل عن ماهيّة التسمية أهي حراك أم انتفاضة أم ثورة ؟ برزت حالة رفضية عبّرت عنها شريحة واسعة من اللبنانيين تحمل القوى السياسية المسؤولية عمّا آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والمالية، وبالتالي من غير المعروف بعد كيف يمكن لهذه الحالة الشعبية ان تتشكّل قيادياً، فهل ستتشكّل وفق كتلة ناخبة واحدة وكبيرة؟ ام ستكون حالة عامة رافضة للقوى السياسية ومؤيّدة لأي شيء جديد؟
في ضوء كل هذا المشهد وبالاولوية التي تمثّلها الازمة المالية، وفي ضوء الخلخلة السياسية، يرى البعض انّ البلاد تقف أمام حالة جديدة سترسو بها أمام وضعية لا قيمة معها لأي تحالفات، ما سيدفع القوى السياسية الى تَجنّب الدخول في اي تحالفات في ما بينها هنا وهناك حتى لا تصطدم بالناس، ما يعني انّ هذه القوى ستتراجع امام الحراك الشعبي الذي لم ينتظم في أي صورة قيادية سياسية واضحة المعالم بعد.
ويرى أحد السياسيين انّ الرئيس سعد الحريري يشعر بعدم وجود حليف مسيحي الى جانبه، ولذا بدأ يعود الى التحالف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، فيما تتجه «القوات اللبنانية» الى التقاطع مع الافرقاء الآخرين على «القطعة»، وحسب طبيعة كل ملف، لأنها ترى انه لا يمكن العودة الى تحالفات قديمة الّا وفق قواعد جديدة تأخذ في الاعتبار 3 جوانب اساسية هي: النظرة السيادية اولاً. النظرة الى بناء الدولة ثانياً، أي الدولة القائمة على الشفافية والقوانين والدستور البعيدة عن الفساد والمحسوبيات والزبائنية. وثالثاً، التماهي والتكامل مع الناس في مطالبهم المشروعة للخروج من هذا الواقع المُذري الذي لم يطرأ مصادفة بل جاء نتيجة سياسات فاشلة، بَدّت وتُبدّي المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية العليا ومصلحة المواطن اللبناني.
وتقول «القوات» في هذا السياق انها «غير مستعدة للدخول في اي تحالف ثابت من دون ان يكون مكتمل الاوصاف وبالعناصر الآنفة الذكر، وفي الانتظار فإنها ستتقاطع مع القوى السياسية بالقطعة حسب طبيعة كل قضية، وستبقى في كل وقت الى جانب الناس من اجل ان تكتمل انتفاضاتهم الشعبية بإرساء الدولة التي تحقق تطلعاتهم».
في أيّ حال ثمّة شيء لم تدركه القوى السياسية بعد، ولن يمكنها من نسج أي تحالفات في ما بينها، وهو انّ اللبنانيين باتوا يريدون لها ان تزيح عن المسرح بعدما ثبت لديهم أنها هي من أوصَل لبنان الى الدرك الذي هو فيه، وان لا خروج له منه الّا بخروجها من حياتهم السياسية لمصلحة سلطة سياسية جديدة من جيل الحراك الذي لم يتلوّث بأي ملوّثات سياسية حاولت أن تحرفه عن مواضعه الحقيقية التي برزت في ايامه الأولى، وهذه السلطة تنتجها انتخابات جديدة مبكّرة كانت أو متأخرة...