ليست قضة الخبز وحده، إنما هو القضية الأخيرة في مسلسل القهر الذي يتعرض له اللبناني، هذا اللبناني الذي بات يتعايش مع أبشع أنواع القهر والحرمان في ظل أبشع وأقبح وأسوأ عهد عرفه لبنان، وفي ظل أسوأ وأقبح أحزاب عرفتها الساحة السياسية اللبنانية، أحزاب لا تتعامل مع أهلها وناسها إلا كسلعة عند الحاجة وعند الطلب وعند تركيب المشاريع لتتلطى خلف العدد والجماهير.
على وقع أزمة الخبز المستجدة أصبحت الأصوات في الضاحية الجنوبية عالية جدا، وخرج أطهر الناس وأشرف الناس ليصرخوا ملء حناجرهم، فتداعى بعض أهالي الضاحية للإحتجاج على الوضع المعيشي وآخره إضراب الأفران وأصحابها بعدما انتقلت عدوى الجشع والفساد والإتجار بلقمة عيش المواطن من الطبقة السياسية وأحزابها وفراعنتهم إلى أصحاب الأفران لإبتزاز الدولة والحكومة بلقمة عيش الفقير وبرغيف الخبز للمحافظة على مكتسباتهم المادية في تعدّ موصوف على كل فقير ومستضعف في هذا البلد.
قال أحدهم على التواصل الإجتماعي يوم أمس:
"من الآخر وبلا روتوش وبلا مساحيق تجميل كل فرن بالضاحية بشارك بالإضراب بدنا نكسرو وبدنا نحرقو ومتل ما محطات الأمانة والأيتام كسروا لاضراب سابقا، الوفاء وقلقاس والامراء وغيرهم وكل فرن بالضاحية بدن يكسروا الاضراب وناطرين موقف أحزابنا الليلة قبل سريان قرار الاضراب، يا بتطلعوا فينا وبتعاملونا متل البشر يا تركوا الناس تجيب حقها بإيدها"
إقرأ أيضًا: رئاسة اتحاد بلديات بعلبك بين ياغي والنمر من سينتصر؟
وهو طبعا ليس وحده هو واحد من المئات بل الآلاف من أهالي الضاحية وكل لبنان الذين تحرقهم الأزمة المعيشية بعدما وصلت لمستويات خطيرة، وما زال الأحزاب وقوى الامر الواقع يقومون بصياغة شعارات جديدة للمقاومة والإنتصارات و"انتقام سخت" ليخدعوا بها هذا الشعب البريء باسم الله وتحت عناوين الفتاوى والتكليف الشرعي وأمر الولي، هذا الشعب الذي لم يعد لديه شيء ولم يعد يملك شيء، فيما يفترض بهذا التكليف الشرعي أن يكلف نفسه بما كلفه الله به من رعاية الناس والنظر في أحوالهم وقضاء حوائجهم، لكنه التكليف الشرعي حسب الأهواء والمصالح والمحاور لننتصر على العدو الاسرائيلي والغطرسة الأميركية ولا مشكلة في أن يموت هذا الشعب جوعا وفقرا، ولا مشكلة أن يعيش الناس بلا ماء ولا كهرباء طالما كل يوم لدينا انتصار نأكله ونشربه.
سحقا لكم ولهذا التكليف الشرعي، سحقا لكم ولكل انتصاراتكم الفارغة والمخادعة، سحقا لكم ولكل عمائمكم ولكل رئاساتكم وفخاماتكم ومعاليكم ومناصبكم سحقا لكم ولكل هذا العهد الموبوء.
تتفاعل المشاكل والاحداث الإجتماعية منذ ثلاثين عاما حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، وكل الأحزاب وزعاماتها وقياداتها غارقة بالثروات والشركات والممتلكات، وهذا الشعب ينوء تحت نير الفقر والجوع وتحت أقسى الظروف المعيشية والإقتصادية والحال هذه يخرج عجائز الأفران لابتزاز الدولة والناس فيخرج العجور الاكبر ليبيع الشعب قوته وحقوقه من جديد فيمتنى على الأفران وقف الإضراب في مسرحية عقيمة هزيلة لا ندري أنضحك عليه أم على هذا الشعب المسكين الذي ما زال يصدق كذبهم وخداعهم.
منعوا في بداية الثورة "البيئة الشيعية" من المشاركة في هذه الثورة ومن المطالية بحقوقهم بالضغط والترهيب والترغيب والتضليل لكنهم لم يقدموا أي بديل لم يعملوا على حل أي من المشكلات المتراكمة، لم يكلفوا نوابهم ولا وزارئهم ولا مؤسساتهم بتفقد أحوال الرعية و "الرعايا الشيعة" التي كادت تنفجر من إهمالهم وفسادهم وعهدهم ولكن إلى متى يستطيعون إسكات الناس، فماذا لديكم من شعارات التضليل والتخدير؟