مطلب إجراء إنتخابات نيابية مبكرة، لا يقتصر على الشارع المنتفض منذ 17 تشرين الأول 2019، بل بادرَ معظم «قوى السلطة» الى الدعوة اليها، بعضها ينطلق من اقتناع، فيما البعض الآخر يحاول «إرضاء» الشارع، ولا تخجل قوى أساسية من إجهار رفضها إجراء هذه الإنتخابات، وفي مقدّمها «حزب الله».
ويدفع النقاش في الانتخابات المبكرة، تلقائياً الى التساؤل: وفق أيّ قانون تُجرى هذا الانتخابات؟ وهذا التساؤل يفرز بدوره اصطفافاً جديداً، بين متمسّك بالقانون النافذ الذي أُجريت انتخابات 2018 على اساسه، وهو يعتمد النظام النسبي والصوت التفضيلي ويقسم لبنان الى 15 دائرة انتخابية، وبين داعٍ الى إقرار قانون انتخابي جديد. وفيما تؤيّد «قوى 14 آذار» كلّها إجراء الانتخابات المبكرة، تختلف في ما بينها على «جنس» القانون الذي تُجرى على أساسه وفي أيّ توقيت. أمّا «قوى 8 آذار» الأكثرية النيابية الحالية، فإنّ غالبيتها لا تحبّذ إجراء هذه الإنتخابات.
«القوات»
بالنسبة الى حزب «القوات اللبنانية»، إنّ الانتخابات النيابية المبكرة «هدف أساسي وأمر محسوم»، مواكبةً للتحوّل في مزاج الناس منذ 17 تشرين الأول 2019. لكنّ توقيت إجراء هذه الانتخابات مرتبط بعمل الحكومة، إذ إنّ البلد في حالة انهيار كبيرة وواسعة، لذلك يجب إعطاء الأولوية لمعالجة الوضع الإقتصادي ـ المالي.
وإذا اتخذت الحكومة الحالية خطوات جدية وإجراءات بنيوية وخريطة طريق عملية قادرة على وقف الانهيار وفرملته، يُمكن حينها، بحسب «القوات»، تأجيل الانتخابات بضعة أشهر، أي بدلاً من أن تكون في تموز مثلاً تُجرى في أيلول. أمّا في حال عجزت الحكومة عن وضع البلد على السكة المالية - الإقتصادية الصحيحة، فحينها يجب الذهاب فوراً الى انتخابات مبكرة تفرز أكثرية جديدة تستطيع معالجة الأزمة.
وفي هذا الإطار، حضّرت اللجنة القانونية في «القوات» إقتراح قانون يُعلّل الأسباب الموجبة للانتخابات النيابية. وينتظر تكتل «الجمهورية القوية»، اللحظة المناسبة لتقديمه في غضون أسابيع، حسب اتجاه الأوضاع وعمل الحكومة.
أمّا بالنسبة الى قانون الانتخاب، وفي ظلّ الدعوة الى إقرار قانون جديد، تعتبر «القوات» أنّ القانون ليس ترفاً، إذ انّ التوصّل الى قانون الانتخابات الأخير استغرق 10 اعوام من البحث، وبالتالي إن فتح هذا الباب لن يوصل إلى أي نتيجة، بل سيُحبط إجراء الانتخابات. وتعتبر «القوات» أنّ هذا القانون هو الوحيد التمثيلي بعد «اتفاق الطائف»، ومن يعارضه هو من لا يستطيع الوصول الى الندوة النيابية الّا من خلال «البوسطة أو المحدلة».
أمّا بالنسبة الى مطلب إقرار «قانون لا طائفي»، فترى «القوات» أنّه مرتبط بتغيير النظام السياسي في لبنان، أمّا الآن فيجب الحفاظ على تركيبة المجتمع والتوازنات الدقيقة.
«الكتائب»
يتماهى موقف حزب «الكتائب اللبنانية» نسبياً مع موقف «القوات». وكان نوابه سبّاقين في تقديم اقتراح قانون لتقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة في أيار المقبل.
وتدعو «الكتائب» من يُطالب من الكتل النيابية بهذه الإنتخابات، الى إثبات صدقيته بتأييد اقتراح القانون الذي تقدمت به، والضغط من أجل أن يبادر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى إدراج هذا الاقتراح على جدول أعمال جلسة تشريعية.
وعلى رغم من أنّ «الكتائب» تعتبر أنّ قانون الإنتخاب الحالي غير مثالي لانتخابات مبكرة وإنتاج سلطة سياسية جديدة، ترى أنّ الدخول في نقاش حول مثل هذا القانون يضيّع البوصلة ويدخل البلد في متاهات الطروحات والتجاذب. وتعتبر أنّ لبنان وصل الى نهاية نظام أثبت فشله ويجب إنتاج نظام جديد لامركزي يراعي كل التطورات للارتقاء الى لبنان الجديد ودولة القانون.
«الإشتراكي»
بدوره، يؤيّد «الحزب التقدمي الاشتراكي» إجراء انتخابات مبكرة لإعادة انتاج السلطة، إذ «إنّ اللبنانيين تحركوا ضد السلطة بكاملها، وتغيير الحكومة ليس كافياً، بل يجب إجراء انتخابات نيابية مبكرة ثمّ انتخابات رئاسية».
لكنّ «التقدمي»، وعلى عكس «القوات» و«الكتائب»، يرى أنه يجب الاتفاق على قانون انتخابي جديد أولاً، يتماهى مع مطالبة الشارع بـ«الدولة المدنية». وتَنكبّ لجنة من الحزب حالياً على إعداد اقتراح قانون في هذا الإطار.
«المستقبل»
من جهته، يؤيّد تيار «المستقبل» الانتخابات المبكرة بعد الاتفاق على قانون انتخاب جديد وفق «اتفاق الطائف»، حسب طلب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أي لجهة أن تكون الدوائر متوسطة على أساس المحافظة، وأن يكون هناك مجلسان: مجلس نواب، ومجلس شيوخ يُطمئن الطوائف اللبنانية. وتدرس كتلة «المستقبل» اقتراح القانون، وتعتبر أنّ قانون الانتخاب في لبنان لا يُقرّ إلّا بالتوافق.
وينطلق موقف «المستقبل» من ضرورة إقرار قانون انتخاب قبل تقصير ولاية المجلس أو استقالة النواب، من مبدأ رفضه تعطيل المؤسسات وشَل مجلس النواب وأخذ البلد الى الفراغ.
«التيار الوطني الحر»
على الضفة الأخرى، يُركّز «التيار الوطني الحر» على أولوية الوضع الإقتصادي ـ المالي ـ النقدي في البلد، الذي يتبدّى على الإنتخابات المبكرة، خصوصاً أنّ الانتخابات الأخيرة «الديموقراطية» لم يمرّ على إجرائها إلّا سنة ونصف سنة.
ويرى أن «لا ضرورة للدخول في هذه المتاهة، فيما المطلوب إعطاء الحكومة فرصة للعمل ومواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والمالية الكبيرة، بعيداً من السجالات السياسية، فالناس ينتظرون الحلحلة على الصعيد الإقتصادي وليس على أيّ صعيد آخر».
ويربط التيار إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي بتحقيق أمور عدة: إنشاء مجلس الشيوخ، إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، إقرار الزواج المدني، وإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية... وطالما أنّ هذه القضايا لم تتحقّق، فإنّ «التيار» يتمسّك بقانون الانتخاب الحالي الذي يؤمّن صحة التمثيل في ظلّ هذا النظام.
«التنمية والتحرير»
قُبَيل انتفاضة 17 تشرين الأول، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يسعى الى تسويق قانون انتخابي جديد يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي. في حين أنّ موقف كتلة «التنمية والتحرير» التي يترأسها واضح بالنسبة الى قانون الانتخاب، فهي تعتبر أنّ اقتراح القانون الذي تقدّمت به يلبّي تطلعات المحتجّين ويحاكي الشباب، فقرارها غير واضح لجهة إجراء انتخابات مبكرة.
وتعتبر الكتلة أنّ المرحلة الراهنة تفرض التركيز أولاً على الوضع المالي والإقتصادي، ثمّ الإتفاق على قانون انتخاب جديد، قبل الحديث عن إجراء الإنتخابات.
«حزب الله»
أمّا المُعارض الأبرز للانتخابات المبكرة، فهو «حزب الله» الذي يُشكّل مع حلفائه الأكثرية النيابية الحالية.
وفي حين يعتبر البعض أنّ هذه المعارضة تعكس تخوّف الحزب من قلب موازين القوى في مجلس النواب، الذي تنبثق منه السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية والحكومة)، خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين الأول، تؤكد مصادر مطّلعة على موقف «الحزب» أنّه لا يتخوّف من أيّ تراجع لتمثيله وحلفائه على المستوى النيابي، وتوضح أنّ موقفه ينطلق من المعطيات الآتية:
- لا يوجد أيّ سبب جوهري يستدعي إجراء الإنتخابات، ولم تمرّ سنتان على إجراء الانتخابات النيابية التي «لا غبار عليها»، والتي جرت على أساس قانون انتخاب نسبي. وبالتالي، فإنّ هذا المجلس يتمتّع من الناحية القانونية بصفة تمثيلية كاملة.
- على صعيد شرعية المجلس، يعتبر «الحزب» أنّ القسم الأكبر من الحراك يتبنى مطالب اقتصادية واجتماعية ومكافحة الفساد وإصلاح الدولة، أمّا المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة فليس محلّ إجماع في الشارع. كذلك، يعتبر أنّ الكتل النيابية تملك حيثية تمثيلية كبيرة، وتعبّر عن اتجاهات شعبية واسعة وعريضة، ولا يُمكن لأحد أن يزعم أنّ هذه القوى باتت أقلية على المستوى الشعبي، فهي لم تستعرض جماهيريتها بعد 17 تشرين الأول.
- لبنان في غنى عن انتخابات نيابية مبكرة، خصوصاً في ظلّ الأزمة المالية والاقتصادية، ومن الضروري أن يتقدّم هذا الاهتمام على ما عداه في هذه المرحلة.
- بعض الداعين إلى إجراء هذه الانتخابات يستبطنون استهداف النتائج والتوازنات التي تمخّضت عن الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018.
- ربط الانتخابات بقانون جديد.
أمّا على صعيد قانون الانتخاب، فيرى «الحزب» أنّ القانون النافذ ليس سيئاً، بل هو قانون عادل ويؤمّن صحة التمثيل، ويُعتبر إنجازاً مع الأخذ في الاعتبار التعقيدات اللبنانية، على رغم من أنه يعاني نقاط ضعف على صعيد تقسيم الدوائر التي وافق عليها «حزب الله» مراعاةً لـ«المطلب المسيحي» برفع مستوى الاختيار المسيحي للنواب المسيحيين.
أمّا بالنسبة الى الدعوة لإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، فتؤكّد المصادر المطلعة أنّ «حزب الله» مع تطبيق «اتفاق الطائف» وإطلاق آليّات تطوير النظام السياسي، انطلاقاً من المادة 95 في الدستور. ويرى أنّ إلغاء الطائفية السياسية غير مرتبط بالعلمنة الشاملة، وأنّ الدستور يتيح إنتاج نظام سياسي غير طائفي وغير مذهبي، مع الحفاظ على الأحوال الشخصية للطوائف على الصعيد الإجتماعي.
«الوسط المستقل»
وفيما تستعد كتل نيابية عدة لتقديم اقتراحات قوانين في هذا الإطار، يقبع في أدراج مجلس النواب اقتراحَا قانون، الأوّل قدّمه «حزب الكتائب»، والثاني قدمته كتلة «الوسط المستقل» برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، والذي يقضي بتقصير ولاية المجلس الحالي لتنتهي في آخر حزيران 2020، وباعتماد لبنان 5 دوائر أساسية هي المحافظات الخمس، وفي كل محافظة يقترع الناخب ضمن قضائه على أساس صوتين تفضيليين، الاول ضمن الدائرة الصغرى التي ينتمي اليها، والثاني ضمن الدائرة الكبرى.
تتعدّد اقتراحات مشاريع القوانين الانتخابية إنما المطلوب واحد: إنتخابات شفافة لا تتحكّم بها الطبقة الحاكمة الحالية، وتعيد إنتاج السلطة بطريقة تحقّق التمثيل الحقيقي للبنانيين، الذين امتنع نصفهم عن الاقتراع في أيار 2018. ووفق مطّلعين، لا يُمكن إجراء انتخابات كهذه إلّا بإشراف دولي.