يحلّ اليوم وفد صندوق النقد الدولي أو «الضيف الثقيل»، كما يصفه البعض، على لبنان، طالب المشورة، لمساعدته في تنفيذ إصلاحات تسمح باستعادة الاستقرار والنمو.
الإستعانة بمشورة صندوق النقد الدولي جاءت رغماً عن المسؤولين اللبنانيين، خشية ان تشكّل هذه البداية مسارًا لوصاية مالية دولية على لبنان في نهاية المطاف، وهو احتمال مرجح.
حتى الآن، لبنان ليس في وارد طلب اي مساعدة مالية، وانّ الاستعانة بمشورة هذه المؤسسة المالية الدولية يأتي بسبب استحقاق سندات «اليوروبوند» وعجز الخزينة اللبنانية عن تأمينه كاملاً، خشية اختناق الواقع المالي للبلد. وبذلك يكون الهدف الفعلي التسلّح بمشورة أهم مؤسسة مالية دولية من اجل تخفيف ردّات الفعل الخارجية السلبية وتجنّب اعطاء صورة البلد المفلس امام المجتمع الدولي.
وهنا تصبح المشورة بمثابة ضمان دولي يتسلّح به لبنان عندما سيطلب إعادة جدولة استحقاقاته المالية. الّا انّه وعشية وصول وفد الصندوق الى بيروت، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تحقيقاً موسعاً حول الواقع المهترئ للدولة اللبنانية والفساد المستشري. لكن اللافت، انّ الصحيفة نقلت تقديرات وزارة الخزانة الاميركية، والتي تشير انّ الاموال المنهوبة في لبنان تقدّر بنحو 800 مليار دولار. والمقصود هنا بالأموال المنهوبة، هي الاموال العامة التي تعرّضت للسرقات والاختلاسات ووضع اليد على مداخيل الدولة اللبنانية وأملاكها.
وأوردت الصحيفة ايضاً ضرورة المطالبة بحسم ملف أموال لبنان المنهوبة قبل اي اتفاق مع الصندوق. وهذا ما يدفع للاستنتاج، بأنّ مساراً يجري ترتيب مدخله لكي تتجّه اليه البلاد، مع التأكيد أنّ هذا المسار شاق وطويل، وانّ نهايته سترسم صورة جديدة للسلطة في لبنان ولذهنية الحكم. ولا بدّ من عدم إغفال الجوانب السياسية التي ستكون حاضرة ضمناً، وملف الإصلاح المالي الذي جرى وضعه على المشرحة وفتح أول صفحة منه، يشكّل أحد استحقاقين كبيرين يواجهان الحكومة في المرحلة الراهنة.
وفي الملف المالي، جوانب لها علاقة بطريقة تعامل السلطة مع الاموال العامة. فقيل انّ رئيس الحكومة وضع فاتورة كهرباء عائلته المقيمة في السراي الحكومي على حسابه الخاص، وطلب من الدوائر المختصة وقف مصاريف الطعام و«الاكسترا» من الأموال العامة. وهو ما يجب ان يحصل في كافة المقار الرئاسية، ذلك انّ الواقع المالي الصعب على الناس يجب ان يترافق مع وقف الامتيازات على مستوى الطواقم المساعدة لأركان السلطة في المقار الرسمية. يُحكى مثلاً عن bonus شهري يناله معظم الموظفين في المقار الرئاسية لتصل في بعض الأحيان الى حجم الراتب الاساسي عدا عن المخصصات والامتيازات الاخرى.
وهذا الخفض سيطاول على ما يبدو عدداً لا بأس به من الوزارات. فمثلاً يدرس وزير الخارجية بتروٍ إقفال نحو عشر سفارات لبنانية في بلدان لا وجود لبنانياً كبيراً فيها، ووقف هذه المصاريف الباهظة، في مقابل تكليف القناصل الفخريين هذه المهمات، طالما انّ اعداداً كبيرة من هؤلاء تمّ تعيينهم ايام الوزير السابق جبران باسيل.
اما الاستحقاق الثاني الكبير الذي ينتظر الحكومة فهو المتعلق بالكهرباء والذي تتابعه فرنسا عن كثب. والواضح انّ خطة الكهرباء التي وضِعت وأُقرّت سابقاً لم تعد متناسبة مع ما استُجدّ من ظروف، خصوصاً مع عدم تعيين أعضاء الهيئة الناظمة إضافة الى مجلس الادارة.
ويجري درس اقتراحات بديلة عدة، منها، والذي يبدو أنّها تحظى بالمقدار الاكبر من التأييد، إشراك القطاع الخاص من خلال شركات عالمية في قطاع انتاج الكهرباء، اي إشراك شركات عالمية بنسبة لا تتعدّى الـ 49% في قطاع بناء معامل انتاج الطاقة، على ان يبقى قطاع نقل الطاقة وقطاع الجباية في يد السلطة اللبنانية.
وتبدو باريس مهتمة بفتح باب دخول الشركات العالمية على خط المناقصات، وهو ما يفسّر سبب ارسال وفود من شركات «جنرال الكتريك» و«سيمنز» وغيرها الى لبنان. ووفق ما هو مطروح، ستتولّى هذه الشركات مهمة تأمين الطاقة الموقتة الى حين الانتهاء من بناء هذه المعامل.