في تحليله، أوضح بوردنكيرشر أنّ البلدان التي تتدخّل في نزاعات الشرق الأوسط الداخلية أظهرت تردداً في خيار التصعيد عندما تم تحدي مصالحها أو تهديدها، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإيران وتدخلاتهما في دول المنطقة من سوريا واليمن والعراق ولبنان وليبيا. ومن أجل استيعاب الفكرة القائلة بأنّ المنطقة ليست آيلة إلى نزاعات أوسع، دعا بوردنكيرشر إلى معاينة ديناميكيات لبنان لفترة طويلة من الزمن، قائلاً: "يمثّل لبنان، وليس العراق أو سوريا أو اليمن، النموذج والدليل للشرق الأوسط المعاصر". وتابع بوردنكيرشر شارحاً بأنّ لبنان يجسد المفارقة، فهو مقسّم ومتكامل في الوقت عينه.
وفي هذا السياق، تحدّث بوردنكيرشر عن خبرة لبنان التي تزيد عن 70 عاماً في الانقسامات المجتمعية العميقة والنزاعات المتداخلة مع التدخل الخارجي والحركات التي تتخطى حدود الدولة، معتبراً أنّ هذه التجربة المديدة تجعل من لبنان "مختبراً غنياً" لفهم التطورات والنقد وبناء سياسات فاعلة لنزاعات الشرق الأوسط اليوم. وأضاف بوردنكيرشر بأنّ لبنان يُعِدّ صنّاع السياسات لمرحلة ما بعد انتهاء هذه النزاعات.
بوردنكيرشر الذي تحدّث عن الصراعات التي تشهدها الساحة اللبنانية، رأى أنّ الانقسامات والتكاملات المتزايدة في الشرق الأوسط تخلق "لبنانات" جديدة، معتبراً أنّ العراق وسوريا واليمن وليبيا بدأت تشبه لبنان كثيراً خلال فترات السلم والحرب. أمّا في ما يتعلق بالسودان والجزائر ومصر وغيرها من الدول، فلم يستبعد بوردنكيرشر إمكانية تشبّهها بلبنان قريباً، قائلاً: "نشهد ارتفاعاً في عدد الدول الخالية من الأمم في الشرق الأوسط – وهذه حالة يعيشها لبنان منذ العام 1943".
وتابع بوردنكيرشر بالقول إنّ الهويات الطائفية/القومية والتيارات الإيديولوجية والانتماءات القبلية تنافس الهوية القومية أو تتحداها في تلك البلدان، مشيراً إلى أنّ غياب مجتمع متماسك يقوّض وظيفة الدولة، وهو واقع من شأنه أن ينتج إدارة ضعيفة وفساداً وأن يدعو لاعبين آخرين إلى التدخل.
ورأى بوردنكيرشر أنّ حالة الانقسام والتكامل المتزايدة في المنطقة تقلل خطر اندلاع نزاعات أكبر، مبيناً أنّ ارتفاع عدد البلدان "الخالية من الأمم" يفسح مجالات أكثر لتدخل اللاعبين الخارجيين.
في ما يتعلّق بصنّاع القرار في الولايات المتحدة، قال بوردنكيرشر إنّهم لا يملكون خيارات قابلة للاستمرار حالياً لجهة حل الخلافات بين العراقيين واليمنيين والسوريين واللبنانيين، معتبراً أنّ السياسات والنزاعات في الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق واليمن ولبنان وليبياً تزداد تعقيداً بسبب سياسات الاستقطاب والتدخل.
وبناء على ما تقدّم، اعتبر بوردنكيرشر أنّه يتعيّن على صنّاع السياسات الأميركيين معالجة الانقسامات والخلافات مع حلفائها ومع حلفاء الولايات المتحدة وتقليص مستوى التدخل الإيراني عبر مواصلة تطبيق سياسة الضغط القصوى.