انتظر اللبنانيون خطاب الرئيس سعد الحريري في ذكرى 14 شباط ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وكان سبق هذا الخطاب تسريبات عن مضمونه وأنه سيغير الاستراتيجيات والمعادلات ويضع النقاط على الحروف فيما خصّ الأزمة التي يمر بها لبنان.
استمع اللبنانيون إلى خطاب الحريري الذي لم يخرج كما غيره من الخطابات السابقة وكما غيره من خطابات السياسيين اللبنانيين، لم يخرج عن التعبوية السياسية والحزبية والطائفية فحضرت في الخطاب العصبية السنية، كما حضر التحشيد الحزبي ومحاولات الهروب من تداعيات الازمة الخطيرة التي يمر بها لبنان ومن المسؤوليات الملقاة على الحريري نفسه الذي تربع لفترات طويلة على عرش رئاسة الحكومة وقاد مع غيره من أحزاب السلطة كل السياسات المالية للدولة.
وبدل مقاربة القضايا والملفات اللبنانية الشعبية الحساسة، وبدل مقاربة هموم الناس في الشارع ذهب الحريري إلى توجيه التحايا إلى حلفائه من الزعماء السياسيين الذين يشاركونه بكل تأكد كل اسباب الإنهيار كما يشاركونه خطاب التنصل من الازمة.
اقرا ايضا : صفقات القرن اللبنانية
غاب رفيق الحريري رجل الدولة عن الإحتفال وغابت كل المباديء الذي استشهد من أجلها لتصبح المناسبة مناسبة طائفية وحزبية خاصة تستجدي الاتباع والمحازبين بلغتهم الطائفية ووجهت السهام من هنا وهناك للتنصل من تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية التي تهز البلاد بطولها وعرضها، فلم يقدم الخطاب ما يمكن أن يساهم في أي حلول بقدر ما تضمن عن محاولات للهروب والتنصل من المسؤولية تحت عنوان أن "الاستقالة استجابة لمطالب الشارع" وما تضمن من مغالطات لا تنطلي إلا على بسطاء التيار الازرق .
هذا هو خطاب المسؤولين اللبنانيين منذ ما قبل ثورة 17 تشرين وما بعده محاولات متكررة للتنصل من الازمة ومحاولات متكررة للهروب إلى الأمام مع انعدام كامل بحس الوطنية والمسؤولية تجاه ما يحصل من ازمات ومع استهتار كامل بأوجاع الناس وآلامهم ومطالبهم.
من الحريري إلى عون إلى بري إلى نصر الله وجنبلاط وجعجع وغيرهم، إلى تياراتهم ومحازبيهم ونوابهم من المسؤول عن هندسة ووضع السياسات المالية منذ سنوات إلى اليوم؟ ومن المسؤول عن تراكم الازمات الاجتماعية والمالية إلى اليوم؟ أليست هي هذه السلطة نفسها من وافق وأيد وحضر كل الاجتماعات والصفقات؟
بكل تأكيد تأتي خطابات المسؤولين اللبنانيين للتنصل من حجم المشكلة ولتقاذف المسؤوليات على قاعدة "أنا ما خصني" ليبدو لوهلة ان الشعب اللبناني هو المسؤول عن كل هذا الدمار المالي والاقتصادي والاجتماعي.
لقد آن للبنانيين بكل ألوانهم وأحزابهم أن يعرفوا ان هذه الخطابات ما هي إلا خطابات كذب وتضليل وما هي إلا خطابات تعبئة يستخدمها هؤلاء الزعماء للتخدير تارة بالطائفية والمذهبية، وتارة أخرى بالوعود والشعارات التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع.
اقرا ايضا : سعادة النائب الأسود
الازمة الحالية في لبنان لم تعد بحاجة إلى مثل هذه الخطابات بقدر ما هي بحاجة إلى معالجات مدروسة وخطط عاجلة لانقاذ ما يمكن إنقاذه بعيدا عن التنصل والهروب من المسؤوليات وبعيدا عن تقاذف التهم بين هذا وذاك.
الوطن بحاجة إلى زعماء تهزهم المسؤولية الوطنية بحاجة إلى زعماء قادرين على تجاوز احزابهم وطوائفهم وكهوفهم لأجل الوطن والشعب.
لبنان يحتضر والزعماء يلوذون بطوائفهم وكياناتهم علها تحميهم من المسؤوليات لكن الثورة الحاضرة خارج الطوائف والمذاهب دائما ستقول كلمتها وستبقى بالمرصاد لكل من يحاول الهروب والتنصل من المسؤوليات التي ادت الى انهيار البلد وما ضاع حق وراءه مطالب.