الخصم كما المحب يقر ويعترف بأنّ تجربة سعد الحريري السياسية لم تكن بالمستوى المطلوب ولم يستطع أن يحافظ على إرث والده الكبير بالشكل المتوقع منه، إذا لم نقل أنّ الجانبين يصفان تجربته بالفاشلة وغير المشجعة، إلاّ أنّ الفرق الأوّل أيّ الخصم يدرج ذلك التردي والإخفاق في خانة ذكائه هو وحيله هو ومكره هو، مقابل قصور وعدم حنكة الشيخ سعد.
وفي المقابل فإنّ المحب والصديق إنّما يلوم أكثر ما يلوم الظروف التي حكمت على الشاب بخوض غمار لأمواج السياسة اللبنانية في لحظة لم يكن قد تهيّأ لها بعد. ويضيف المحبون بإلقاء اللوم على مثالية ونرجسية وأمومة فكر رفيق الحريري "للصبي"، فيما الآخرون لا يعنيهم إلاّ مصالحهم الشخصية أو الحزبية ولو على حساب الصبي (الوطن)، وبأنّ هذا الفارق في المدرستين إذا صحّ التعبير هو ما أوصل الحريرية السياسية إلى هذا الدرك، كونها تدفع ضريبة حرصها الشديد على مصلحة البلد وحماية البلد وأمن البلد، فيما يذهب بعض هؤلاء المحبّون إلى تحميل كامل المسؤولية إلى الحاشية والمستشارين الذين يحيطون بالشيخ سعد ونصائحهم التي أوصلته إلى مشارف الهاوية.
في المحصلة لا بدّ من القول أنّ وضع سعد الحريري ليس على أفضل ما يرام، ولكن هذا لا يعني أنّ الفرصة قد ضاعت تماماً من بين يديه، وانه ليس بمقدوره استعادة المبادرة وتحسين موقعه والعمل على رتي ما قد انفتق، وهذا ما كنت أنا لأفعله لو كنت مكانه.
أولاً لا ابقى لحظة واحدة خارج البلاد بالرغم من كل الأخطار الأمنية التي تحيط بوجودي لأنّ هذا يعتبر من بديهيات القيادة، بالخصوص إذا ما صار التواجد بين الجماهير هو مطلب ملح عند المؤيدين والأنصار.
ثانياً أعمل بكل وضوح وصراحة وبدون قفازات على تكريس زعامتي السنية، واستعمل الخطاب السني والأدبيات السنية وأقدّم نفسي أولاً وثانياً على أنّي المدافع الشرس عن حقوق أهل السنة في لبنان، لأنّه وببساطة لا مكان في هذا البلد للخطاب الوطني أو للقيادة الوطنية إذا لم تكن منطلقة من خلفية طائفية أو مذهبية.
اقرا ايضا : من شكّل حكومة ال69؟
ثالثاً أقدم في هذه اللحظة السياسية على تعرية الخصم ونزع ثوب الوحدة الوطنية المزيف الذي يتستر به، وذلك من خلال تعليق الحوار وأي قناة تواصل، ولو استدعى الأمر الخروج من الحكومة وصولاً إلى الانسحاب من المجلس النيابي، فإمّا أن تكون المؤسسات الدستورية تسير وفق القوانيين المرعية أو "ع السكين يا بطيخ" على رأي الرئيس بري.
رابعاً أعمل فوراً على إعادة ترميم الحلف الإستراتيجي مع القوات اللبنانية، وأسحب دعمي لترشيح سليمان فرنجية وأعلن بصريح العبارة السير قدماً فيما يتوافق عليه المسيحيين كمقدمة ضرورية لعودتي كرئيس أكبر كتلة سنية لرئاسة الحكومة.
خامساً وقبل كل شيء أعمل على إعادة الاعتبار لتيار المستقبل، والخطوة الأولى في هذا المجال هي تغيير كوادر معظم الصفّ الأول بما يتناسب مع الإستراتيجية الجديدة وفي مقدمة هذا التغيير تبديل "الأمين العام" أحمد الحريري والإتيان بشخصية طرابلسية قوية كأمين عام بديل. سادساً أستفيد من تواجد أكثر من مليون سوري سني لاجئ في لبنان وأعتبرهم خزان استراتيجي من خلال الإعلان أنّ كل واحد منهم هو عضو في تيار المستقبل إلى حين عودته إلى بلاده، وأعمل على استقطابهم وجعلهم جزء من معركتي السياسية.
وأقول ختاماً إنّ كل ما تقدم من نقاط والتي قد تبدو للوهلة الأولى أنّها نقاط لا تساهم في استقرار البلد وحفظه، إلاّ أنّ التجربة تخبرنا أنّ سياسة النعامة والمجاملة والمدارات هي التي حوّلت لبنان إلى بلد "زبالة"، وأنّ معرفتي بحاجة الخصوم التي في هذه المرحلة بالذات هي أكبر بكثير من حاجتي إليهم وبالتالي فإنّ اقتناص هذه اللحظة والعمل على تحسين الشروط وإثبات الذات عبر خطوات تصعيدية هي أكثر ما تحتاجه البلاد لمصلحة الجميع بمن فيهم الخصوم أيضاً. .
هذا ما أفعله أنا لو كنت مكان سعد الحريري ... أو كنت أعتزل السياسة وأسكن في فرنسا نهائياً .