تتجه المصارف من إجراء إلى آخر، لتختبر أيها الأقسى على المواطنين، وخصوصاً منهم صغار المودعين، الذين تتفنّن في إذلالهم لتعطيهم سقوفاً مالية تتراوح بين 100 دولار اسبوعياً و300 دولار اسبوعياً في أحسن الأحوال. في المقابل، سهّلت المصارف إخراج أموال كبار السياسيين قبل 17 تشرين الأول 2019. وحالياً، تتحضّر لتحويل قسم من قيمة الودائع الدولارية إلى الليرة، كإجراء لتوفير الدولار، في ظل ازدياد الطلب عليه وشحه في السوق ولدى القطاع المصرفي ومصرف لبنان.
إحياء لفكرة سابقة
طرح تحويل الودائع الدولارية إلى الليرة ليس بجديد، بل يُتداول به منذ بداية الأزمة. لكن لم يتم وضع تصور نهائي له. فالنسبة المحوَّلة لم تُحسَم، إذ تارة يُطرح تحويل كل المبالغ الدولارية إلى ليرة، وتارة أخرى يُطرح تحويل نسبة منها.
وفي السياق، أكدت مصادر في أحد المصارف اللبنانية، أن جمعية المصارف بدأت التفكير بجدية، في "قرار تحويل 20 في المئة من قيمة الودائع في الحسابات التي تفوق موجوداتها 500 ألف دولار، إلى الليرة". وأوضحت المصادر لـ"المدن"، أن الحسابات التي تقل موجوداتها عن 500 ألف دولار "لن يطالها الاجراء".
القرار "لم يُتَّخذ رسمياً"، لكنه يُتداول بين المصارف ويُطرّح "في الاجتماعات الداخلية". وعن إمكانية إصدار القرار قريباً، لا تحدد المصادر موعداً معيناً، لأن "التبليغات عادةً ما تتم عبر الهاتف، قبل إصدار قرار رسمي، إذا ما أرادت جمعية المصارف الإعلان عن القرار".
وتضيف المصادر أن قرار التحويل "سيترافق مع قرار تخفيض الفائدة على الودائع إلى ما بين 1 أو2 بالمئة، في حين تصبح الفوائد على القروض 3 بالمئة، مع تقديم بعض التحفيزات للصناعيين أو المزارعين لتشجيعهم على الاقتراض من أجل الاستثمار الانتاجي".
أزمة القطاع المصرفي
الاجراءات التي تتخذها المصارف كلها مخالفة للقوانين، ما يضع المصارف في أزمة كبيرة، ليس أمام القضاء وإنما أمام الثقة الداخلية والخارجية. فالقضاء لن يتخذ قرارات مؤثرة بحق المصارف، رغم أنه انتصر للمودعين في بعض القضايا، لكن هذا الانتصار لا يخرج من دائرة ربح بعض الجولات الجانبية غير ذات تأثير، في المعركة الكبرى التي تخوضها المصارف ضد المودعين، بحماية مصرف لبنان.
بقاء عامل الثقة في الميدان يعني أن المودعين الذين يتحمّلون الإجراءات مرغمين، سيبحثون عن إجراءات لمواجهة المصارف بها، وربما يكون القضاء هو السبيل الوحيد. فيلجأون بذلك للضغط على القضاء ومطالبته بموقف حازم ضد المصارف.
واذا طُبِّق ما تعتزم جمعية المصارف تبنّيه، ستخلق لنفسها مواجهة أقسى مع شريحة من المودعين تقدّم لهم حتى الآن تسهيلات لا تقدّمها لصغار المودعين وأصحاب حسابات توطين الرواتب. فأصحاب الودائع المرتفعة من رجال الأعمال وكبار الصناعيين والتجار، يستفيدون حالياً من سقوف سحب مرتفعة، تفوق ما تُعلنه المصارف في جداولها. والمعاملة "المميّزة" تُبقي تلك الشريحة من المودعين، بمنأى عن الضغط الجدّي على المصارف.
من ناحية أخرى، ترى المصادر أن الاجراءات المصرفية المستقبلية ستزيد وضع المؤسسات سوءاً، إذ أن "تحويل نسبة من الإيداعات إلى الليرة، سيعني خسارة أصحاب الودائع لقيمة النسبة المحوَّلة، ما سينعكس على أعمالهم، أي على عُمالهم وموظفيهم الذين سيصبحون أمام خيار البطالة بمعدّل أعلى. فأصحاب الإيداعات المتأثرين بالتحويل سيسجلون التحويل كخسارة تستدعي تعديلات في الأعمال، وأولى التعديلات هي تخفيف الكلفة، ومنها كلفة اليد العاملة".
حتى كتابة هذه السطور، لم يخرج قرار مشابه من المصارف، فالكل ينتظر ما ستؤول إليه أوضاع الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى انتظار انعكاس دفع لبنان استحقاق سندات اليوروبوند، وبعدها، قد تُسجَّل انتكاسة أخرى للمودعين وللقطاع المصرفي على حد سواء.