سيادة المطران بولس عبد الساتر (رئيس أساقفة بيروت للموارنة) سار اليوم على خُطى القديس مار مارون، القديس الذي كان يُغدق عليه المديح بطريرك القسطنطينية أواخر القرن الرابع الميلادي، ويُشيد بمآثره الروحية، طالباً منه أن يذكره في صلاته، وفي كتابه عن حياة الرهبان المُتنسّكين، يورد لايورد تيودوريتس تفاصيل كثيرة عن ولادة مارون ونشأته ووفاته، وعلى هذا المصدر التاريخي استند المؤرخ فؤاد افرام البستاني، الذي أصدر كتاباً بعنوان" مار مارون"، وبحسب ذلك المرجع، عاش مارون وحيداً في البرّية، على قمّة جبل، مُحوّلاً معبداً وثنياً إلى مكانٍ لعبادة الله.
في منسكه شيّد مارون كوخاً، ويُقال خيمةً من جلد الماعز، وأقام فيه لفتراتٍ قصيرة، إذ كان يقضي وقته في العراء مُصلّياً مُتعبّداً، ويشير بعض المؤرخين لسيرة مارون بأنّه كان من مؤسّسي مدرسة التّنسُّك السورية التي سار عليها أيضاً القديس سمعان العامودي، الذي أقام في العراء، ولكن على عامود، حيث عاش حياته مُعتزلاً الناس ومُصلّياً، والجدير بالذكر أن مار مارون لم يُنشئ أي مدرسة أو رهبنة، ولم يُشيّد تلاميذه ديراً باسمه قبل القرن السادس الميلادي، ورُجّحت وفاته عام ٤١٠م، ويشير سركيس أبو زيد في كتابه "مار مارون الموارنة" نقلاً عن المطران أسطفان عواد، أحد أساقفة القرن الثامن عشر، أنّ البطاركة الموارنة اكتشفوا أنّ عيد القديس مارون غير مُسجّل في قائمة أعيادهم، الصادر بأمرٍ من البابا زخيا العاشر عام ١٦٤٧، فجعلوا عيد القديس مارون في التاسع من شباط ، وهو يوم عيد مار يوحنا مارون، الذي نقله بدوره البطريرك يوسف أسطفان عام ١٧٨٧ إلى ٢مارس، آذار. وبحسب كتاب أبو زيد المشار إليه، فإنّ أول من نسبَ الموارنة إلى مارون هو مرهج بن نمرون، أحد خريجي المدرسة المارونية، أمّا المؤرخ كمال صليبي فيرى أنّ المؤرخين لم يذكروا الموارنة بشكلٍ واضح قبل القرن الثالث عشر، ويتّضح أنّه بعد تخريب دير مار مارون على العاصي، لجأ عددٌ من رهبانه، وفي مقدمتهم يوحنا مارون السرومي إلى جبل لبنان وكان أول البطاركة الموارنة.
إقرأ أيضًا: وزير الخارجية الجديد: وراثة العنصرية عن سلفه باسيل
اليوم احتفل الموارنة لمناسبة عيد مار مارون في كنيسة القديس جاورجيوس في بيروت بحضور الرؤساء الثلاثة، وتوجّه رئيس أساقفة بيروت للموارنة، سيادة المطران بولس عبد الساتر، في عِظةٍ مؤثّرة للرؤساء الذين كانوا يتصدّرون الحضور المسيحي الكثيف، حيث لم يألُ سيادة المطران جهداً في تقريعهم على موت ضمائرهم، التي لم تستمع إلى نحيب الأمّ التي انتحر ولدها أمام ناظريها، كما حرص سيادة المطران على توجيه انتباه الرؤساء إلى ما يستحقه اللبنانيون الذين وثقوا بهم وانتخبوهم في أيار عام ٢٠١٨، وملّكوهم ناصية رقابهم، وأسلموا لهم مصير أبنائهم، ولُقمة عيشهم وسقف بيوتهم، واستقرارهم الاجتماعي، ومُدخّرات حياتهم في المصارف، فأضاعوها جميعاً، وباتوا عاجزين عن إصلاح الخلل في الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي،، ليوقظهم بعد ذلك من سُباتهم بأنّ "الاستقالة أشرف" وهي أضعف الإيمان.
لعلّ كلام سيادة المطران بولس عبد الساتر بدأ مُوجّهاً لرئيس الجمهورية اللبنانية الثانية ميشال عون، باعتباره يشغل أعلى منصب في البلاد بإسم حقوق الطائفة المارونية، وباعتباره المعني في عظة قديس النُّسك والفقر والحرمان ونكران الذات والفداء مار مارون، ونظراً لما شاب عهد الرئيس عون من فسادٍ وثراءٍ غير مشروع، وصرف النفوذ في دائرة عائلته وحاشيته وحزبه وأنصاره وأتباعه، ومع شركائه في السلطة الفاسدة الذين أوصلوا البلد إلى مهاوي الإنهيار والخراب، لذا لم يتردد سيادة المطران بولس عبد الساتر في وضع الإصبع على الجرح: الزعيم الحقيقي هو الذي يتنكّر لمشاريعه ومصالحه السياسية الشخصية حتى نُكران الذات ( تأسّياً بسيرة صاحب المناسبة)، الزعيم الحقيقي هو الذي يقول الحقّ بلا مواربة ولا خوف، لا يُساوم بل يعمل لخير الوطن، كل مواطن من دون تردّد.
لماذا لا تستقيلون أليس أشرف لكم..