تحدثنا في مقال سابق عن رأي سماحة العلامة الفقيه السيد علي الأمين ونظرته حول التعددية الفكرية للمذاهب الاسلامية وكونها من ذات المنبع الواحد الذي يتمثل في كتاب الله وسنة نبيه (ص) حيث اعتبر سماحته أن إختلاف المجتهدين داخل المذهب الواحد لا يوجب الخروج عن دائرة المذهب وكذلك الأمر في موضوع الاختلاف بين المذاهب الاسلامية حيث أن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى الخروج عن دائرة الاسلام ما دام الاجتهاد في دائرة الكتاب والسنة.
ويتابع سماحة العلامة الفقيه السيد علي الأمين في نظرته حول التقريب بين المذاهب الاسلامية فيعتبر أن ليس هناك معنى لتخوف بعض الشيعة من الذوبان في الغالبية الاسلامية غير الشيعية وذلك لأن المسلمين الشيعة وغيرهم من المسلمين ملزمون بالعمل بكتاب الله وبسنة رسوله الثابتة ويؤكد سماحته ذلك من خلال الآيات القرآنية التي تدل على وحدة الأمة الاسلامية وعلى لزوم الاعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى وكذلك الآيات التي نهت عن التفرق وذمّت الذين جعلوا دينهم شيعاً. وكذلك يؤكد سماحة السيد الأمين نظرته تلك من خلال السنة النبوية الشريفة التي تقول أن المسلمين والمؤمنين جسد واحد ليس فيهم قليل يخشى الكثير ولا كثير يريد الغاء القليل.
خوف الشيعة من الذوبان:
ولذلك لا يرى سماحة السيد الأمين أي مبرر لخوف البعض من الشيعة ذوبان هذه الطائفة في غيرها ذلك أن مصطلح الذوبان يحتاج إلى تغاير بين الشيئين أو الأشياء التي يذوب بعضها بالآخر فلا تغاير بين الشيء ونفسه كما لا تغاير بين الكل وأجزائه وبالتالي فإن هذا الخوف هو خوف غير مبرر ,واعتبر سماحة السيد الأمين أن الواقع الحالي هو الاختلاف في الآراء والافكار خارج دائرة القواسم المشتركة وهذا الشيء لا يستلزم أن يكون المسلمون فرقاً وجماعات.
وفي موقف متقدم حول خوف الشيعة من الذوبان من خلال دعوة التقريب بين المذاهب يقول سماحة العلامة السيد الأمين: إن من يدعي الخوف على الشيعة من الذوبان نقول له: لست أحرص من الإمام علي عليه السلام الذي رفع لواء التقريب ورفض التنافر والاختلاف ورفع شعار (لأسلِّمنَّ ما سلمت أمور المسلمين) ونقول له أيضاً: لست اكثر حرصاً على الشيعة من أئمة الشيعة الذين أمروا شعيهم بالانصهار مع المسلمين الآخرين وعلّموهم كيف يصلون بصلاتهم وأن يعودوا مرضاهم وأن يؤدوا الأمانة لهم وأن تكون مواطنتهم الصالحة هي الدليل على تشيعهم حتى يقال رحم الله جعفراً فقد أدّب أصحابه وهذا هو نهج أئمة الشيعة وديدنهم في توحيد المسلمين وسعيهم إلى نبذ الفرقة والانفصال.
المشروع الشيعي:
يتعبر سماحة العلامة الفقيه السيد علي الأمين أن المشروع الذي سعى الائمة من أهل البيت إلى تحقيقه بعد وفاة الرسول (ص) هو المشروع التوحيدي الذي يجمع عموم المسلمين وغيرهم ممن يعيشون معهم على نفس الأرض والتاريخ ولم يكن لدى الامام علي عليه السلام سوى مشروع يجعل المواطنين في الدولة الاسلامية كتلة واحدة وجماعة متساوية في الحقوق والواجبات وعلى هذا المنهج سار الامام الحسن (ع) وهو ما سعى إلى تحقيقه الامام الحسين في ثورته على نظام يزيد الذي تنكر لنهج الخلافة الراشدة وحول السلطة إلى ملك للعائلة فخرج الامام الحسين عليه السلام معلناً المشروع التوحيدي الذي رسمه الامام علي عليه السلام وبعد استشهاد الامام الحسين (ع) وأصحابه ظهرت بوادر الانقسام الحاد في الأمة الاسلامية فعمل الائمة بعد الامام الحسين (ع) على رأب الصدع ونأوا بأنفسهم عن أي مشروع انفصالي.
ويعتبر العلامة الأمين أن هذا المنهج هو المنهج الذي يجب على الشيعة أن يسلكوه في عصر الغيبة فهم جزء لا يتجزأ من امة الاسلام الكبرى وليسوا فئة منفصلة عنها وبالتالي ليس لهم مشروع سياسي غير المشروع الذي تتبناه الأمة الاسلامية بشكل عام وليس لهم من صيغة سياسية غير الصيغ التي تعتمدها شعوبهم في أوطانهم لأنهم جزء لا يتجزأ من تلك الشعوب التي انحدروا منها ويعيشون معها.
إن العلامة الفقيه السيد علي الأمين في إطلالته على هذا العنوان الشيعي يريد أن يعبر ومن خلال مرجعيته الشيعية المعروفة في لبنان والوطن العربي والاسلامي أن ليس للطائفة الشيعية في لبنان والوطن العربي أي مشروع سياسي أو مذهبي خاص بل إن على هذه الطائفة أن تكون جزءاً لا يتجزأ من حالة الامة الاسلامية والجسم الاسلامي ككل ويريد سماحته أن يقول على الشيعة أن يكونوا في اوطانهم جزءاً من الوطن يعيشون كما غيرهم في وطنهم وليس لديهم غير هذا الخيار وهو الخيار الذي رسمه إمامهم الامام عليه السلام والائمة من بعده.