كان وزير الخارجية اللبنانية السابق جبران باسيل، غير المأسوف على غيابه، يُمثّل لبنان في المؤتمرات الدولية والعربية، وكان لسانه ينطلق في المؤتمرات العربية بلا تحفُّظ ولا روية، فيُغدق على سامعيه المواعظ والنّصائح، ويتعالى على زملائه وزراء الخارجية العرب، ويتفاخر ب"عروبة" خادعة، و"مقاومة" لا محلّ لها من الإعراب، ويتبرقع بأثواب الهداية والصلاح والرشاد، حتى أراح الله منه الأمة العربية والدولية قبل المواطنين اللبنانيين، بإخراجه من "جنّة" مجلس الوزراء اللبناني، نتذكّر هذا اليوم، لمناسبة ذهاب دولة الرئيس نبيه بري على رأس وفدٍ لبناني للمشاركة في مؤتمر دعم القضية الفلسطينية ومناهضة صفقة القرن في الأردن، حين راح دولته يصول ويجول في خُطبته أمام المؤتمرين، مُدافعاً عن فلسطين المحتلة وأهلها، مُندّداً بصفقة القرن الأميركية، مُسدياً النُّصح للأعراب بثابتتين لا ثالثة لهما، حسب تعبيره، هما الوحدة والمقاومة، دون الإفصاح عن أيّة وحدة عربية يتحدث الرئيس في ظلّ الحروب العربية المُستعرة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وقطاع غزة، أمّا المقاومة فقد خصّها الرئيس بري بتأكيدها مُثنى وثلاث ورباع، عن أيّة مقاومة يتحدث الرئيس بري، عن زمانها ومكانها، عن عُدّتها وعديدها؟ ذلك كله علمُه عند الله والراسخين في العلم، هذا مع العلم أنّ المقاومة التي يتظلّل بفيئها دولة الرئيس هي مقاومة حزب الله ومن ورائه فيلق القدس الإيراني، الذي كان مُنهمكاً ( حسب اعترافات السيد حسن نصر الله في تأبين قاسم سليماني) في لبنان وسوريا واليمن والعراق والبحرين وقطر والسعودية، وربما في أفغانستان وباكستان، ولم يُشاهدهُ أحدٌ في يومٍ من الأيام واقفاً على أسوار القدس ومآذنها وصوامعها.
اقرا ايضا : وزير الخارجية الجديد: وراثة العنصرية عن سلفه باسيل
اليوم، نتوجّه لدولة الرئيس بري الذي ترك هموم لبنان ومصائبه وعيوبه، وانصرف للإهتمام بهموم إخوانه ومصائبهم وعيوبهم، ونسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه" وأنّ من اشتغل بعيوب الناس عميَ قلبُه، وتعب بدنُه، وتعذّر عليه تركُ عيب نفسه، والمرءُ مُطالبٌ بإصلاح نفسه أولاً يا دولة الرئيس، عندنا في لبنان من المصائب والبلاوي ما يُغنينا عن الإهتمام بمصائب غيرنا، وكما بات معلوماً أنً لفلسطين "ربٌّ يرعاها"، فحبّذا لو تعود يا دولة الرئيس من عمّان لرعاية اللبنانيين المنكوبين بزُعمائهم قبل صفقة القرن وقبل" صروف الدّهر والجدود العواثرِ".