منذ حوالي ثلاثين عاماً تمكّن الرئيس ميشال عون من اعتلاء كرسي رئاسة حكومة انتقالية عسكرية، ما لبثت أن خسرت نصف أعضائها باستقالة وزيرين مُسلمين، ومع ذلك استمرّ الرئيس عون في لعب دور المُنقذ لوطنه لبنان من حكم الوصاية السورية على لبنان، فقرّر شقّ طريقه نحو العلاء، مزهُوّاً بانتصاره الأول الذي حقّقهُ لتوّه، بدخوله قصر بعبدا الشّاغر بانتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، ثمّ راح يلعب دور "دون كيشوت" بمهاجمة طواحين الهواء التي توهّم أنّها " شياطين لها أذرع هائلة تقوم بتهديد سُلطته": دحر القوات السورية من لبنان بالإشتباك العسكري معها، معارضة اتّفاق الطائف والإشتباك السياسي مع صانعيه، محاولة القضاء على خصومه في المنطقة الشرقية لبيروت بافتعال "حرب الإلغاء" مع القوات اللبنانية، رفض الإعتراف برئاسة الرئيس رينيه معوض الذي قضى غيلة، ورفض الاعتراف برئاسة الرئيس الراحل الياس الهراوي، الذي قاد هجوماً عسكرياً سورياً على قصر بعبدا لاقتلاع الجنرال عون منه، والذي تمكّن من الفرار إلى السفارة الفرنسية وبعد ذلك الانتقال كلاجئ سياسي إلى فرنسا.
إقرأ أيضًا: الطائفة الشيعية قبل غيرها في بؤرة الخراب العام
اليوم الرئيس عون جالسٌ في قصر بعبدا، ما زال يحارب طواحين الهواء، مُتوهّماً كسلفه دون كيشوت أنّه المنقذ الوحيد لوطنه لبنان، يتمسّك بكرسي الحكم، وأنّه ما زال قادراً على إطاحة "الشياطين ذات الأذرُع الهائلة"، يُعيّن بعد ثورة شعبية لأكثر من مائة يوم رئيس حكومة لا حول ولا قوة له، بحاجة لمعجزة ليتمكّن من دخول مجلس النواب لنيل الثقة بحكومته الهجينة، وبالأمس طلع على المواطنين الصابرين المنكوبين بمسحة تفاؤل باستعادة الوضع السياحي عافيته، بعد زوال الأسباب التي أدت إلى تراجعه بعد انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول الفائت، في حين كان اللبنانيون يأملون بأن يستعيد الوضع المصرفي والمالي المأزوم بعضاً من عافيته المفقودة، ولا أحد يعلم بعد ذلك ما هي المعارك الوهمية التي سيتولّاها الرئيس عون قبل الخراب العام والإنهيار التام.
قال الشاعر العراقي وليد الصرّاف:
جاء المغول ودون كيشوت مُنتفضاً
ما زال يضرب أعناق الطواحينِ.