يس صحيحاً أنّ الوزير جبران باسيل يُسارع إلى الاستنجاد بصرح بكركي في كل مرّة يشعر أنه في ضائقة سياسية أو شعبية، أو حتى إعلامية، على حد ما يروّج «خبثاء» بحسب مناصريه. فالرجل زار بكركي مُلبّياً دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وكانت لهما «خلوة ودية طويلة» كسرت ابتعاد باسيل عن الإطلالات الإعلامية اليومية، ولم تكن غايته منها طلب نجدة أو دعم شخصي أو ما شابَه، وقد تميّز النقاش بـ»الدقة والحساسية» في هذه الخلوة التي «لم تكن عادية شكلاً ومضموناً وتوقيتاً».
زيارة باسيل لبكركي من حيت الشكل هي الأولى للصرح البطريركي بعد تشكيل الحكومة الجديدة والظروف التي رافقته، وجاءت عشية زيارة البطريرك الى الفاتيكان حاملاً معه ملفات أساسية، والتي تشاء المصادفات أن تحصل لمناسبة مئوية لبنان الكبير التي تحلّ هذه السنة.
وبدوره، حملَ باسيل الى بكركي فقط الملفات الوجودية الكيانية وما يعتبره مخاطر تهدّد لبنان، وبحث مع البطريرك على المستوى الاستراتيجي في دور الكنيسة والفاتيكان في مساعدة لبنان لضمان استقرار الدولة ووحدتها أولاً، ولتثبيت الناس في أرضهم في ظل الأزمة الكبيرة المقبلة ثانياً، وتوضيح مواقف لبنان وان يدافع الفاتيكان عنه في المحافل الدولية ثالثاً.
وفي «الخلوة» التي وصفها القريبون من باسيل بـ«الودية والوجدانية»، عدّد رئيس «التيار الوطني الحر» المخاطر التي يواجهها لبنان استراتيجياً بدءاً من محاولة تقويض نظامه المالي والاقتصادي نتيجة الضغوط الحاصلة في هذا المجال، فمهما كانت جَديّة اللبنانيين وواجباتهم في خطة إنقاذٍ مالية، فإنّ الامر لا يستقيم اذا لم يكن هناك قرار دولي لمنع سقوط لبنان. وزوّد باسيل البطريرك «تفاصيل مهمة في هذا الصدد لكي يبحث فيها مع المسؤولين في الفاتيكان.
كذلك أسهَب في الحديث عن الخطر الثاني الذي اعتبره «خطراً وجودياً»، وهو المتعلّق بما ورد في «صفقة القرن» من تغييب لحقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى أرضهم، الامر الذي قد يمهّد لضغط كبير على لبنان لقبول تجنيس هؤلاء، وبالتالي توطينهم. وكان هناك اتفاق تام بين الراعي وباسيل على انّ هذا الامر لا يُناقض الدستور في مقدمته فقط، وإنما يهدّد لبنان بكيانه وبهويته، وإذا ما أضيف إليه موضوع توطين النازحين السوريين فهذا يعني في هذه الحال نهاية لبنان الذي عرفناه، والذي تأسّست دولته على قاعدة الانفتاح والعيش المشترك واختبار الحياة المتنوعة.
ومن المعطيات التي تناولها الراعي وباسيل خلال خلوتهما، أنه يعيش على أرض لبنان اليوم بين مواطنين ونازحين ولاجئين نحو 6 ملايين ونصف مليون نسمة، ومن المؤكّد أنّ الاقتصاد اللبناني والمالية اللبنانية في ظل الحصار القائم لن يستطيعا الثبات في ظل هذه الكثافة السكانية، وهنا تتبيّن خطورة ما يتعرض له لبنان واعتبار ذلك خطراً كيانياً...
وانطلاقاً من هذه المخاطر الثلاثة، أي وضع لبنان المالي والتوطين والنزوح، كان هناك نقاش مهم وعميق بين الراعي وباسيل حول دور الكنيسة، ليس فقط في تأمين الدعم الديبلوماسي عبر الفاتيكان في الخارج، وإنما دورها أيضاً في تثبيت اللبنانيين في أرضهم، وتحديداً المسيحيين، بتوفير أدنى مقومات الصمود لمنع الهجرة التي هي خطر وجودي كياني دائم على لبنان. علماً أنه مقارنة مع العام الماضي تضاعَف عدد النازحين حتى بلغَ 40% بعد هجرة نحو 61 ألف مواطن. وقد تلاقى الطرفان على أنّ مواجهة هذه المسألة تكون بخطوات عملية تم الاتفاق على اتخاذها، وسيكون للكنيسة دور فيها سواء بالنسبة الى إعادة إحياء الأرض أو ربط الانسان في أرضه.