سقطت الأحزاب المهيمنة على السلطة في العراق في اختبار الصلح مع الاحتجاجات الشعبية حين عادت إلى مربعها الأول باختيار محمد توفيق علاوي رئيسا للوزراء في المرحلة الانتقالية.
فالرجل لا يختلف عن سواه من المرشحين السابقين الذين رفضهم الشعب، فهو ابن العملية السياسية الفاشلة، وهو ممثل حزبي في دورتين نيابيتين وسبق له أن كان وزيرا للاتصالات في عهد ارتفع فيه منسوب الفساد إلى الذروة.
كان رفضه شعبيا متوقعا من قبل الأطراف التي رشحته وفي مقدمتها مقتدى الصدر. لذلك لم يكن مستغربا أن يأمر الصدر أتباعه بالقيام بتفريق حشود المتظاهرين والعمل على إنهاء الاحتجاجات في بغداد.
ما عجزت الأحزاب عن القيام به تعهد الصدر بالقيام له. ذلك قرار كان قد اتخذه أمام علي خامنئي. وهو ما يسعى إلى أن يضعه موضع التطبيق حتى لو أدى ذلك إلى نشوب صراع شعبي دموي.
يحاول الصدر، هذه المرة، أن يملأ الفراغ الذي حدث مع انزواء نوري المالكي بعيدا وهو الذي كان يعتبر نفسه سيد العملية السياسية وعرّابها. وليس من المستبعد أن يدفع الشعب العراقي ثمن طموحات الصدر في مرحلة سيكون اللجوء فيها إلى القوة نوعا من الرهان غير المضمون.
من المؤكد أن الصدر، باعتباره رجلا جاهلا في السياسة، لم يضعْ في حساباته إمكانية خروجه مهزوما من الصراع مع القوى الشعبية التي لم تفقد زخمها على الرغم من عمليات القتل والخطف والاعتقال.
بالنسبة للأحزاب الموالية لإيران فقد كان المطلوب دائما أن تحترق ورقة الصدر شعبيا. فالرجل الذي يساهم في العملية السياسية منذ نشوئها ويتمتع بكل امتيازات تلك المساهمة، كان قد أجاد في أوقات سابقة تمثيل دور المعارض الوطني النزيه وهو ما شكّل عنصر إزعاج لإيران وحلفائها العراقيين، لا لأن الأمر لا يمتُّ إلى الحقيقة بصلة حسب، بل لأنه أيضا كان وسيلة للضغط في اتجاه كيْدي، كان الغرض منه التخلص من عدد من رموز العملية السياسية التي كان الصدر ولا يزال يناصبها العداء.
لذلك جاء اختيار علاوي نتيجة صفقة مريبة بين الصدر وهادي العامري هي في حقيقة دوافعها تمهيد للإطاحة بعدد من الرؤوس التي بات وجودها يشكّل عبئا ثقيلا بسبب ارتباطها بعمليات فساد كبرى، وفي مقدمتها رأس رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي من المتوقع أن يُقدّم إلى المحاكمة في سابقة سيسعى علاوي من خلالها إلى امتصاص غضب المحتجين عليه.
ذلك يعني أن المرحلة الانتقالية إذا ما استقر الأمر لعلاوي ستشهد تصفيات مدوية، غير أنها في الحقيقة لن تؤثر على بنية النظام، ذلك لأنها ستطول شخصيات صارت بحكم التقادم نوعا من الهوامش الزائدة التي لا يترك التخلص منها أي أثر سيء، بل العكس هو الصحيح. سيعيد النظام حينها إنتاج نفسه لكن برشاقة وخفة وغموض بعد أن افتضحت أسرار فساده.
ذلك كله لا يعني أن الاحتجاجات في الشارع ستضعف أو ينالها شعور بالخواء وضياع البوصلة وانسداد الأفق. غير أن الاستمرار في الاحتجاج قد لا يكون مأمون الجانب بعد أن كشف مقتدى الصدر عن وجهه الحقيقي الذي هو أحد وجوه السلطة القمعية الفاسدة.
ما يخيف في الصدر، أكثر من سواه، يكمن في سعيه لاسترضاء الولي الفقيه وهو ما لا يحتاج إليه الآخرون وهم المرضيّ عنهم، كونهم أبناء أصليين للنظام الإيراني. لذلك يمكن أن يكون الصدر أكثر خطرا من الآخرين في تصديه للمحتجين من جهة لجوئه إلى أساليب قمع قذرة مكشوفة.
ذلك ما ستكشف عنه المرحلة المقبلة التي ستكون حاسمة بالنسبة للجميع.