لأن الوضع العربي الحالي لا يُقاس عليه بسبب فوضاه ورثاثته كان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يلتزم الحذر ولا يكشف عن جهله التام بأكثر قضايا المنطقة حساسية، وهي القضية الفلسطينية قبل أن يعلن عما أسماها بـ”صفقة القرن”. وهو مشروعه لسلام يعتقد أنه سيكون أبديا.
كان من الممكن العمل على مبدأ الأرض مقابل السلام لو كان لدى ترامب شيء من الإنصاف وذلك من أجل بناء الثقة بمجتمع دولي يغلب الحق التاريخي على منطق القوة ولا يستهين بآلام أجيال من الفلسطينيين وعذاباتهم.
وكان من الممكن غض النظر عما فعله الفلسطينيون بأنفسهم، أقصد الزعماء منهم، والتفكير بمصير إسرائيل مستقبلا حين يتم نزع أسباب التوحش ومحاور الانتقام وإقامة سلام عادل.
أما الأموال التي يمكن أن تتدفق بموجب الصفقة إذا ما أبرمت فلا قيمة لها ما دامت المؤسسات الفلسطينية فاسدة بطريقة أو بأخرى، أو أنها توظف المال في ما يزيد الأمور تعقيدا مثلما تفعل حماس.
وإذا ما كان الموضوع الإنساني مركونا جانبا، فإن الجغرافيا هي الأخرى قد ظلمت. فترامب وهو أمر مؤكد لم يلق نظرة ولو سريعة على الخرائط التاريخية التي تمثل فلسطين، كما كانت وكما انتهت إليه.
صفقة القرن في حقيقتها هي مقترح إسرائيلي. هذا ما تريده إسرائيل. الدليل على ذلك أن ترامب لم يستشر أكاديميا فلسطينيا واحدا في الأمر. هناك في الجامعات ومراكز البحوث الأميركية الكثير من الخبراء من ذوي الأصول الفلسطينية. لقد فصّل الرجل ثوبا للا أحد.
وهو ما يعني أن تلك الصفقة ستبقى ورقا قد لا يستحق أن يُضاف إلى الملف الفلسطيني الملقى في أدراج الأمم المتحدة. وقد تبدو مظاهر الاحتجاج الشعبي على تلك الصفقة من غير معنى وخالية من أي دلالة. فالصفقة التي كثر الحديث عنها قبل إعلانها ولدت ميتة وهي لا تعدُ بأي نوع من الحياة.
ربما من الأفضل في هذه المرحلة العمل على تحسين أوضاع السلطة الفلسطينية. ذلك يتطلب تعاونا فلسطينيا نزيها وشفافا وصادقا مع منظمات دولية تُسند إليها مهمة إنشاء قواعد دولة حديثة، بعد أن أثبتت القيادات الفلسطينية أنها فشلت في القيام بذلك.
ذلك يمكن أن يساعد الفلسطينيين في النظر إلى مصالحهم بطريقة سوية، حيث يتعرفون على العوامل المشتركة التي تجعلهم قادرين على تفهم ما يحتاجونه من المجتمع الدولي وما يمكن أن يقدموه لقاء تعاون المجتمع الدولي معهم.
أما إقصاء الفلسطينيين والتعامل معهم بطريقة الإملاءات من خلال فرض الخيار الإسرائيلي عليهم، فإنه سيعود بهم إلى لحظة الصفر. أقصد المقاومة المسلحة وما صار يُسمى غربيا بالإرهاب. كان على ترامب أن يفكر في نتيجة من ذلك النوع.
سيكون من الطبيعي أن يتساءل الفلسطيني العادي وهو يقرأ بنود تلك الصفقة المجنونة “أهذا ما يمكن أن يقدمه العالم لنا بعد أكثر من سبعين سنة من العذاب؟”
في تلك الحالة فإن الغرور الإسرائيلي قد تحول إلى نوع من الغباء. فالصفقة تشجع على اتخاذ مواقف متشددة وتظهر المعتدلين كما لو أنهم يراهنون على سراب. وإذا ما كانت الصفقة ستبقى مجرد ورق وكلام عاثر، فإن إيران ستستفيد منها. حماس وحزب الله سيستردان جزءا من شعبيتهما المفقودة. فهل أطلقت الصفقة لكي تُسلم المنطقة للإرهاب؟
ترامب ليس بريئا ولكنه جاهل وهو ما يجب الحذر منه. فهو قد يهدر أموالا عربية في مشروع لا قيمة له في الحقيقة. بل إن تلك الأموال قد تكون سببا في وقوع انهيارات جديدة في العالم العربي.
في واقع الأمر فإن الإسرائيليين لن يخسروا شيئا إذا ما أخفقت صفقة القرن. ذلك لأن كل التداعيات السيئة ستنعكس على الحياة العربية. سيضيق هامش الاعتدال ويتسع المتن الإرهابي.
كان حريا بالإدارة الأميركية وهي تخطو الخطوة التاريخية أن تسأل نفسها “هل الدولة المرسومة على خرائط صفقتها هي فعلا دولة فلسطين؟”.