في اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية يوم السبت الماضي، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيقطع جميع علاقات السلطة الفلسطينية مع تل أبيب وواشنطن، بما فيها "التنسيق الأمني" العزيز على الإسرائيليين.
 
وقالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية إن هذا الإعلان الذي جاء ردا على ما يسمى "صفقة القرن" بعد كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب النقاب عنها يوم الثلاثاء، أخذ مكانه بين الأخبار الرئيسية، ولكن الخبراء ظلوا مترددين بشأن ما إذا كان مجرد مناورة من محمود عباس، لأن هذا الأخير أعلن انتهاء اتصالاته مع الدولة العبرية عام 2015، ثم مع الولايات المتحدة عام 2017، دون أن يتخذ أي إجراء على أرض الواقع.
 
وتنقل الصحيفة عن المحلل السياسي نيري زيلبر -وهو صاحب دراسة عن "التنسيق الأمني" بين الفلسطينيين والإسرائيليين- قوله "إن (قرار قطع العلاقات الجديد) مجرد تهديد يشبه التهديد الذي ظل يتردد بانتظام خلال السنوات الست الماضية"، لكن على إسرائيل أن تأخذ الأمر على محمل الجد بالنظر إلى السياق، وأن تفهم أن "تعاون السلطة الفلسطينية ليس أمرا مفروغا منه"، خاصة أن خطة ترامب ووعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم بعض المناطق، قد وضعت عباس في موقف سياسي دقيق للغاية، والتنسيق الأمني هو آخر ورقة لديه.
 
ومع ذلك -يقول مراسل الصحيفة في تل أبيب غيوم جندرون- فإن العديد من المحللين الإسرائيليين مقتنعون بأن أول خاسر من وقف التنسيق الأمني في الضفة الغربية هو عباس نفسه الذي فقد شعبيته بسبب توجهاته الاستبدادية، خاصة أنه دخل عامه السادس عشر من فترة ولايته المحددة أصلا بأربع سنوات.
 
وأشار المراسل إلى أن التنسيق بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بقيادة جنرال أميركي مقيم في القدس، قد اتخذ أشكالا عديدة، من تبادل المعلومات إلى الاعتقالات الوقائية، مرورا بإعادة المتسللين الإسرائيليين التائهين في القرى والضواحي الفلسطينية.
 
وفي العام 2017 -حسب المراسل- أعادت الشرطة الفلسطينية أكثر من 500 من هؤلاء إلى إسرائيل دون خدش رغم أن التعاون الأمني تم تعليقه من الناحية النظرية، في حين يقدر جهاز المخابرات الداخلية (شاباك) أن عمل الأمن الوقائي الفلسطيني يمكن أن يحبط ما بين 15 و30% من الهجمات ضد إسرائيل.
 
 
"صفقة" داخل "الصفقة"؟
وبعد ساعات من بيان الرئيس الفلسطيني، كشفت القناة العمومية الإسرائيلية "كان" أن مديرة وكالة المخابرات المركزية الأميركية جينا هاسبل قامت بزيارة سرية إلى رام الله في اليوم التالي لكشف ترامب عن خطته، ويقال إنها التقت بماجد فرج الرئيس المؤثر للمخابرات الفلسطينية وأحد خلفاء عباس المحتملين.
 
وبحسب المحلل نيري زيلبر، فإن هذا التبادل ليس مفاجئا، إذ إن "القناة الوحيدة للتواصل بين  الطرفين منذ نهاية العلاقات الدبلوماسية بين رام الله وواشنطن عام 2017 -بسبب اعتراف ترامب من جانب واحد بالقدس عاصمة لإسرائيل- كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والتنسيق الأميركي في القدس من ناحية، والأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية من ناحية أخرى".
 
وحسب قناة "كان"، يمكن تلخيص رسالة المخابرات الأميركية في "أخبروا عباس بضرورة تجنب القرارات المستفزة، وستقوم الولايات المتحدة مقابل ذلك بكل ما في وسعها للحد من ضم إسرائيل لمزيد من الأراضي".
 
وتساءلت الصحيفة: هل هي "صفقة داخل صفقة القرن"؟ إذ إن نتنياهو ألغى -تحت ضغط من واشنطن- اجتماع مجلس الوزراء لإطلاق خطط ضم الأراضي أمس الأحد، في حين ترك عباس الباب مفتوحا في خطابه بالقاهرة، عندما قال "نحن جادون في مكافحة الإرهاب العالمي.. أنا لست عدميا.. لا نريد أن ينهض العرب ضد أميركا.. بل نريد دعمهم". وبالفعل، وافق وزراء الخارجية المجتمعون في القاهرة على هذا الدعم، ورفضت جامعة الدول العربية بالإجماع خطة ترامب.