يا أبي لا مكان في هذا العالم لمثلك من الصادقين، فسريعا ما يرحلون، ويبقى المجرمون يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
عشرون وعامان مرّوا يا أبي والزمن في ذاكرتنا تجمّد على تخوم تلك الليلة العبوس.
كأنك بالأمس وضعت العِمّة والجبّة وناديتني طفلا لتحمّلني أمانة صعبة تنوء بحملها الجبال.
يومها شعرتُ على صغر سنّي أنك سمعت النداء من السماء فلبيتَ شوقا للقاء، وبقيتُ أحدّق بنور وجهك حتى غبتَ عن ناظري في رحلة وأد الفتنة التي قلت لي أن القوم أوقدوها، وأن قرار الدم قد اتُخذ من خارج الحدود بفعل تقارير الحقد الحزبي المرسلة للفقيه، وأنك قد لا تعود، لأن المكر كبير والملك عقيم يعمي البصائر.
أُيمّمُ الليلة وجهي شطر حوزة المنتظر في عين بورضاي، وكأني برصاصات الغدر الحزبيّ قد اخترقت جسدك الطاهر، وكأني بالعمّة البيضاء خضبتها الدماء الزكية، وقذائف الحقد التي غشِيها غطاء السياسة والمذهب والحزب تدكّ الحوزة ومسجدها وتمزق كتاب الله فيها.
أكاد من هنا أرى الجسد مطروحا على التراب دون غسل أو كفن، وأسمع قهقهات المجرمين في ضاحية القرار تملأ الأرجاء.
كأنها الليلة قناة الفجور تعلن مبتهجة أنك قتلت، وكيف لا يبتهج اعلام عنصري حاقد بقتل مثلك، فقد سبقهم الى ذلك جدهم يزيد حين قتل الحسين؟!!
ثم جاؤونا والدم ما زال على التراب يعرضون ثمن البيع، وجاء سيدهم بعد عام ليكذب علينا مدعيا أن الشهيد كان ينسق معه حتى اللحظة الأخيرة!!
وغدا يا أبي سيسير خلف نعشك آلاف المحبين يهتفون بالموت للسيد الصنم.
لقد أدرك اخوة يوسف أنهم بقتلك ستخلو لهم ساحة البيع والشراء والمتاجرة بالقضية، وأن البقاع سيمسي بعدك يتيما هائما في العراء لا يجد من يوصله الى بر الأمان، وأن عروشهم ستستقر على الدماء، وستولد من رحم الجريمة الصفقات مع السلطة الفاجرة التي حالوا بين بأسك وبينها حتى استقرت واشتدّ عودها فقضمت مال الناس قضمة الإبل نبتة الربيع.
وها هم المحرومون اليوم ازدادوا حرمانا والفاسدون ازدادوا فسادا وتراكمت ثرواتهم من أموالنا تحت اعين اخوة يوسف الذين اكتفى كبارهم بالمال الإيراني "النظيف" ، وراحوا يلوّحون صبح مساء بملفات يقولون أنها تطيح برؤوس كبيرة، والشعب يسمع جعجعة ولا يرى طحنا، والمعادلة بسيطة :"لكم فسادكم ولنا سلاحنا"!!
يا أبي الشهيد...
بالأمس الذين هتفوا ضد الصنم من الأقربين والأبعدين أذعنوا لسلطان المال والقوة والحرب النفسية ولا عجب، فعجل السامري له بريق يعمي القلوب والأبصار، وخواره يصم الأسماع، هذا والذين عبدوه من دون الله بكل فجور يدّعون اليوم البصيرة!!!
بصيرتهم هذه مرادفة للعمى، وكأنهم ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يعقلون.
يا أبي لا مكان في هذا العالم لمثلك من الصادقين، فسريعا ما يرحلون، ويبقى المجرمون يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.