أما أن يخرج علينا التيار الوطني الحر، ليلعب دور الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فهذا لعمري يكاد يكون بسخافته وبذالته يستحق أن يسمى مسخرة العصر
لم نتفاجأ أبدا بالعودة السريعة لوجوه وأسماء عتيقة قد أكلها القِدم ونخر عظامها العمر لتتصدر الشاشات الممانعة، بمناسبة إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب وربيبه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من قلب البيت الابيض بما يسمى عندنا بصفقة القرن وبما أسموها عندهم "الخطة الاميركية للسلام في الشرق الاوسط" .
لم يتسنّ لهؤلاء المناضلين العتاعيت أن ينفضوا عن خطاباتهم غبار الايام، فاضطروا لضرورات المرحلة أن ينفثوا علينا خطاباتهم النضالية مع غبارها وعفنها وعطنها، حتى أنك تستطيع أن ترى خيوط العنكبوت تخرج من أفواههم وهم يستنكرون وينددون ويتوعدون بإسقاط "المؤامرة" الجديدة القديمة.
طبعا لسنا بوارد تقييم العمل النضالي الفلسطيني ولا نحن نسمح لأنفسنا أن نعطي شهادات للفصائل الفلسطينية، وإن كنا من حقنا أن ندلوا بدولنا ها هنا، باعتبار أن القضية الفلسطينية وتشظياتها تصيبنا كلبنانيين بالمباشر وبجروح عميقة لم نشف منها بعد، مع التذكير أيضا أن هذه القضية تسكن في وجداننا وقلوبنا منذ عقود طويلة.
علمتنا التجربة، أن أعدى أعداء القضية الفلسطينة ليس هم الاسرائيليون ولا الإدارات الاميركية المتعاقبة التي كانت ولا زالت تقف معهم، ولا هي الامبريالية والغرب، ولا الصهيونية العالمية أو الماسونية كما كنا نتوهم، وإنما أعدى أعداء القضية الفلسطينية هم "الثوار الكسبة"، أو تجار النضال والدم، أو المتلطّون خلف القضية الفلسطينية لتمرير مصالحهم ومكتسباتهم ومشاريعهم الفئوية والحزبية وحتى الشخصية.
وعليه، فإنه ليس من المستهجن على أذاننا أن تعود وتسمع أسماء أحزاب ومنظمات وفصائل خبتت مع مرور الزمن، الجبهة الشعبية – جبهة النضال – فتح – منظمة التحرير – القسام – حماس – فيلق القدس، كل هؤلاء وغيرهم الكثير مما لا يتسع المجال لذكرهم على كثرتهم، وإن كان مفهوما أن ينبري كل هؤلاء للتصدي ومواجهة "المؤامرة" ولو بأدوات وأساليب ممجوجة، فهذا متوقع ومعروف.
أما أن يخرج علينا التيار الوطني الحر، ليلعب دور الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فهذا لعمري يكاد يكون بسخافته وبذالته يستحق أن يسمى "مسخرة العصر"
فلا تاريخ الجنرال المؤسس يسمح بذلك، ولا أداء الصهر الرئيس وعنصريته مع الشعب الفلسطيني يعطيه مندوحة هذا التموضع المفاجئ، ولا أدبيات ومسار الفكر الايديولوجي (على فرض وجوده) لهذا التيار توحي بخطوة من هذا النوع !
قد نفهم لو أن التيار العوني، رفض ويرفض ما يسمى بصفقة القرن، بشقها المتعلق بموضوع توطين الفلسطينين (السنة) في لبنان، وما يحكى عن تغيير قد يطرأ على التركيبة الديموغرافية فيه، أما أن يتحول هذا التيار إلى التيار الوطني الحر لتحرير فلسطين! فهذا لا يعدو أكثر من محاولة بايخة للتستر على فشله الذريع لإخفاء إخفاقاته وما وصل إليه البلد بفضل خياراته السياسية وأدائه المقيت، في عهد رئيسه ووصوله إلى بعبدا.
فخروج مي خريش نائبة جبران باسيل على الاعلام وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية هو أمر يثير الضحك والسخرية في لحظة متأخرة جدا ولم تعد فيه الكوفية الفلسطينية قادرة على ستر عورات الأنظمة والأحزاب والتيارات، بل هي (الكوفية) تساهم في فضحها أكثر وتعريتها أكثر، ولعل هذه المحاولة المضحكة، ستضاف إلى سجل تناقضات وتعثر هذا التيار العجيب وليس العكس .