وتشير مزاعم القيادي في لواء الفاطميين إلى أن الميليشيات الشيعية تقاتل قرب إدلب بناء على أوامر سليماني وتنفذ خططه. وحصلت الصحيفة على التسجيلات من المنظمة المستقلة “مركز ماكرو للإعلام” وجمعها مراقبون من مراكز رقابة محلية، استطاعوا التقاط الموجات اللاسلكية والإرسال للميليشيات الشيعية.
وهو نفس المركز الذي قدم تسجيلات صوتية للطيارين الروس إلى صحيفة “نيويورك تايمز” وكشفت عن استهداف قوات النظام بشكل مقصود المستشفيات والمراكز الطبية في معقل المعارضة. وتتعرض محافظة إدلب التي يعيش فيها 3.5 ملايين نسمة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وجماعات أخرى معتدلة لقصف مستمر من الطيران الروسي والقوات البرية الموالية للنظام. وأدت الحملة إلى تشريد نصف مليون وتهدد بخلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وتم الوصول إلى الاتصالات اللاسلكية في الفترة ما بين أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي وذلك بعد تحديد الإشارة اللاسلكية الإيرانية. وهناك بعض التسجيلات تعود إلى الأسبوع الماضي. وتم تحديد مصدر الإشارات من قاعدة مؤقتة في بلدة التمانعة القريبة من معرة النعمان والتي تبعد أميالا عن القواعد التابعة للنظام المعروفة في حلب وحمص.
وسمع في واحد من التسجيلات أحد المقاتلين الأفغان وهو يتحدث بالفارسية قائلا: “لنذهب معا الليلة باتجاه مواقعهم ونعرف إن كانت عصفورا أو ذئبا” حيث استخدم الطيور والحيوانات كشيفرة عن الأهداف. وقال آخر مازحا: “لا يستطيعون الدفاع عنها حتى بفرقة كاملة” و”سنذهب سرا ونضربها ونسيطر عليها ولن تكون هناك مشكلة”.
ويقول قادة المعارضة التي تقاتل بالمنطقة إن عدد المقاتلين التابعين للميليشيات الإيرانية في المنطقة يصل إلى 400 مقاتل مع أن آخرين يقولون إنه 800 مقاتل. وقال أبو حمزة الكرنازي، القائد الميداني في الجبهة الوطنية للتحرير التي تدعمها تركيا: “تحاول الميليشيات الإيرانية إخفاء وجودها في إدلب ولكنها موجودة على أرض الواقع”. وأضاف: “لديهم معدات ثقيلة واستخدموا الدبابات وراجمات الصواريخ ضدنا في التمانعة ومناطق أخرى”.
وقال وفد للمعارضة حضر مباحثات أستانة في قزخستان وسوتشي في روسيا إن إيران أكدت لتركيا أنها لا تريد مواجهة معها في إدلب ولا ترغب في تخريب علاقاتها مع أنقرة. وتحولت تركيا لشريك تجاري مهم لإيران بسبب العقوبات التي فرضتها أمريكا عليها، مع أن ولاء طهران ظل مع النظام السوري. ويقول المحللون إن تركيا تعرف بوجود الميليشيات الشيعية في محافظة إدلب لكن ليس لديها التأثير للمطالبة بخروجها. وتعرض جيش النظام بسبب سنوات الحرب لحالة من الضعف، ولهذا قدم مقاتلو فيلق القدس ولواء الفاطميين المعروف بخبراته القتالية في معارك قرب دمشق وحلب ودير الزور الدعم للنظام.
وتقول دارين خليفة، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية: “هناك حاجة للقوات الإيرانية لكي تحافظ على المواقع” و”هم جيدون في التقدم وحرب العصابات”. وأضافت: “لم تعد قوات النظام قوية أو منظمة وباتت تعتمد تحديدا على مقاتلي المعارضة الذين “تصالحوا” مع النظام”. وقال القائد كيرنازي عن الميليشيات الشيعية: “يشاركون في القتال ولكنهم يقدمون الدعم العسكري والتدريب للمقاتلين المحليين. ويحضرون مشائخ دين إيرانيين ولبنانيين لتقديم الإرشادات وتعبئة المقاتلين على خطوط القتال”.
وتقول الصحيفة إن المراسلات اللاسلكية تحفل باللغة الطائفية. وسمع المقاتلون الشيعة وهم ينادون “يا علي يا علي” و”سننتصر إن شاء الله عليهم”. وتبنت إيران سياسة مثيرة للجدل للسيطرة على مناطق تعتبرها جزءا من “الهلال الشيعي” الممتد من طهران حتى البحر المتوسط في لبنان.
وتقول إليزابيث تسيركوف، من برنامج الشرق الأوسط في معهد دراسات السياسة الخارجية: “تستطيع التعرف من التسجيلات على سبب خوف سكان إدلب” و”ما تحتويه ليس تهديدا لحياتهم فقط بل ودينهم أيضا”.
وتشير الصحيفة في تقرير آخر أعدته خوسية إنسور مراسلة الصحيفة في بيروت إلى أن وزير الدفاع السوري الجنرال علي أيوب اعترف الأسبوع الماضي في لحظة من الصراحة أنه عمل مع الجنرال قاسم سليماني. وقال: “كانت المعركة الأولى التي قمنا بها هي بابا عمرو في حمص” أي بداية الثورة عام 2011. وتعلق أن أي مراقب يتابع الحرب السورية يعرف سبب وجود سليماني وميليشياته في سوريا إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يعترف بها النظام بدورها.
وظل دور طهران غامضا مقارنة مع روسيا التي تدخلت علنا. وحاولت طهران الإبقاء على بصماتها في الحرب الأهلية سرا. وتشير الكاتبة لدور سليماني في “الهلال الشيعي” من طهران إلى بيروت والذي كان مهندسه. وأشارت لدور سليماني في إعادة تنظيم قوات الأسد التي شكلها بناء على وحدات الباسيج. وعندما تعرض نظام الأسد للخطر نشرت 80.000 من المقاتلين الشيعة، من حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية في العراق ومرتزقة من أفغانستان وإيران.
وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن المقاتلين ذهبوا إلى سوريا لحمايتها وحماية المزارات الشيعية فيها. وبالتأكيد دخل العديد من المقاتلين سوريا لحماية مزار السيدة زينب قرب دمشق، ولكن سليماني كانت لديه خطة أكثر خبثا حيث حاول إعادة تشكيل الخريطة السكانية لسوريا بطريقة تهدف إلى “الهلال الشيعي”.
ولم تكن هذه الخطة أوضح منها فيما يعرف باتفاق البلدات الأربع. فقد تمت محاصرة كل من الزبداني ومضايا (في جنوب- غرب) ذات الغالبية السنية على يد قوات الأسد وحزب الله، فيما حاصرت المعارضة كفريا والفوعة التي تسكن فيهما غالبية شيعية. وأشرف سليماني على الحصار الذي شارف فيه السكان على الموت جوعا حتى تم تركيعها عام 2017، وتم إخلاء البلدات الأربع بالتوازي، حيث نقل الشيعة لمناطق النظام أما المعارضون فإلى المناطق المعارضة في إدلب.
وفي داريا القريبة من مزار السيدة زينب تم إسكان مئات العائلات الشيعية العراقية في منازل المعارضة التي خرجت منها بعد تعرضها للقصف الجوي والمدفعي. وهناك نسبة كبيرة من سكان إدلب جرى تهجيرهم من مدن وبلدات حاصرها الجيش السوري والميليشيات الشيعية. ولا يعرف ما هو المصير الذي ينتظرهم لكن الطيران الروسي والسوري يهاجم المحافظة بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية.
وتقول تسيركوف: “هناك ميل لوصف الميليشيات التي جندتها إيران إلى سوريا بالمقاتلين الأجانب أو قوات حزب الله وفيلق القدس، فيما يتم وصف السنة الذين ينضمون للمعارضة السنية بالجهاديين.. مع أن الطرفين لديهما خطاب في أساسه جهادي”. وقالت إن سليماني حشدهم بناء على شعار الجهاد مع أن معظمهم اندفع للقتال لأسباب غير دينية.
وتكشف التسجيلات أن بعض المقاتلين منحوا اسم “إمام سجاد” في استعادة للقب علي بن الحسين زين العابدين. كما قال آخرون: “قاتل من أجل علي ومن أجل زينب”. وتقول إنسور إن سليماني أسهم في تغذية النزاع السني- الشيعي الذي سيغمر المنطقة لسنوات قادمة. وتقول تسيركوف إن إرث سليماني هو “إرسال شباب من اللاجئين الأفغان للقتال والموت وتسوية مدن بالتراب وإخلاء مدن بكاملها والتطهير الإثني”.