العالَمُ في تطوّرٍ مستمرٍّ، ولطالما سعى الإنسانُ إلى الابْتكارِ فاستخدم أساليبَ كثيرةً، وابْتكرَ أدواتٍ لتسهيلِ أعمالِه وإنجازِها بسرعةٍ، إلى أنْ وصلَ به المطافُ لاخْتراعِ آلاتٍ جديدةٍ تعملُ على الكهرباءِ والبطّاريّةِ وغيرها. وقد حلّتْ هذه الابتكارات مكانَ الإنسانِ في مختلفِ المجالاتِ، إلى حدٍّ وصل به ذكاءُ الإنسانٍ إلى اخْتراع أجهزةٍ ذكيّةٍ تعملُ مثْله، بل بإمكانها أن تحلَّ محلَّهُ في القيام بالأعمال والمهام، وفي ضوء هذا المقال، يقول العالِم البريطانيّ (ستيفن هوكينغ) أبرز علماءِ الفيزياءِ النّظريّة على مستوى العالَم : "أعتقد أنَّ تطوُّرَ الذّكاءِ الصّناعيّ قد يُنذرُ بنهايةِ الجنْسِ البشريّ"، فما هو الذّكاء الاصْطناعيّ وكيفيّة الاستفادة منه في مجال الطّبّ؟.
في البدايةِ يمكنُنا تعريفُ الذّكاءِ الاصْطناعيّ، بأنّه أحدُ فروعِ علْمِ الحاسبِ السّاعي لمحاكاةِ عقلِنا البشريّ، وتصنيع آلاتٍ تقوم بذاتِ مهامِ البشرِ، ولها الكثير من المجالاتِ، إلّا أنَّنا سنكتفي بالمجال الطّبّيّ، لما له من أهمّيةٍ، في المحافظة على حياتنا، وصحّتنا، في الوقتِ الحاضر والمستقبل.
لا أعتقدُ أنَّ الآلةَ ستتغلّبُ على الإنسان، بل هي في خدمته، وتحتَ وصايَتهِ، وهو منِ ابْتكرها، ويتحكَّمُ بها، ويحدِّدُ وظيفتَها، خاصّةً في مجال الطّبِّ فقد أدخلَ الأطبّاءُ (الرّبووت)، الإنسان الآلي الجراحيّ، وهي آلاتٌ مصمَّمةٌ لتبْدو وتتصرَّف مثْلنا، للقيامِ ببعضِ الأعمالِ الطّبّيّةِ، تتمُّ برمجتها لمساعدةِ الأطبّاءِ في العمليَّاتِ الجراحيّةِ الشّديدةِ الدّقّةِ، كما تمْلكُ ميزةَ المحاكاةِ لحركاتِ الجرَّاحينَ أثناءَ العمليّة.
هناك اليوم أكثر من 20000 من التَّطبيقاتِ المختلفةِ، منها الكثير من الأنواعِ الّتي تدمجُ التّشخيصات الطّبّيّةَ في الهاتف المحمول لديك، على سبيلِ المثال قياس (الكليكوز) في دمكَ، عبر جهاز (آي فون) مع إمكانيّة إرسالها إلى طبيبِكَ، حتّى أنّه يمكّنكَ معرفة مستوى السّكّرِ في دمكَ إذا كنتَ مريضًا بالسّكّري. كما بإمكان الطّبيب أن يرى ويعرفَ بياناتِ مرضاه أينما كان عبْرَ الهاتفِ المحمولِ.
وهناك تطبيقاتٌ أُخرى للحاسبِ، كالقدرةِ على رؤيةِ ما بداخلِ الإنسان، والفحصِ عالي الدّقّة باسْتخدامِ الرّنين المغناطيسيّ، كما أصبح بإمكاننا أن نرى داخل دماغ َالإنسانِ بشكلٍ لم يكنْ متاحًا في السّابق، وبالأساس تعلُّم كيفيّة بناء العقل، بل إعادة هندسة العقل منذ البداية، حتى نتمكّن من فهمٍ أكثر لعلْم الأمراض والعلاج.
ومع ظهور (آي باد) أصبح من الممْكن عبْر تطبيقٍ يسمحُ لأخصّائيّي الأشعّة القيام بالقراءة التّمحيصّية من خلاله، فمنَ المؤكّدِ أنّ الكثيرَ اليوم من الأطبّاءِ يعتمدون على هذه الأجهزة بشكلٍ يوميٍّ وجدّيّ.
كما أُدخلَ نظامُ العيادة الافتراضيّة عبر "سكايب"، فأصبحتْ طرق المعاينة أسهل، وبات بإمكانك التّواصل مع طبيبكَ أينما كان، ويمكنُ دمْجُ هذا مع أنظمةٍ لاتّخاذ القرارات، بحيث يمكن على سبيل المثالِ لجرّاحٍ في الصّين، أن يساعدَ جرّاحًا في باريس، ممّا يعزّز تبادل الخبرات بين الأطبّاء.
كما أنَّ المصابينَ بالشَّللِ، أو أيّ إعاقةٍ أُخرى، بإمكانهم اسْتخدام الآلة كذراعٍ، أو قدمٍ، أو عينٍ صناعيّةٍ وغيره، يمكن استعمالها كبديلٍ صناعيّ للأعضاء الطّبيعية المفقودة أو العاطلة لدى الإنسان، كما يمكن رؤية الإنسان من الدّاخل عبر عدساتٍ معيّنة، ودمجها، كما صنّعتْ أجهزة غاية في الصِّغر، وآلاتٍ دقيقة يمكنها مراقبة تصنيعِ خلايا الدّم الحمراء، أو تلك الّتي بإمكانها مراقبة نظامنا الدّمويّ، أو جهاز المناعة، أو تنقيةِ الشّرايين من الجلطات.
كما تُعتبر الصّحّة النّفسيّة للإنسان، أحد أهمّ الأهداف الّتي يسعى إليها العلماء منذ زمنٍ طويلٍ، من خلال تطوير الخوارزميّات، الّتي من الممكن أن تتعرّف على تعابير وجه الإنسان، ومواقفه، وإيماءاته، وانفعالاته، كما يهتمّ الكثير منهم بتطبيق هذه العمليّات على أرض الواقع، لعلاج الأمراض النّفسيّة، وغيرها، وستكون هذه التّقنيّات، قابلة للدّمج والتّطوّر عبر "الانترنت"، في السّنوات المقبلة.
هذا النّجاح في المجال الطّبّي سيسمح بمزيد من الرّعاية التّشخيصيّة في المناطق ذات الخدمات المتواضعة والمنشآت الصّحيّة المحدودة، والّتي تعاني منها الأقليّات، والّذين يقطنون في مناطق نائية، لجهة عدم توفير هذه الرّعاية من قبل الدّولة، وقلّة التجهيزات، والمستشفيات، والأطباء المتخصّصين، وذلك بفضل القدرة على التّواصل، واستخدام الأجهزة الذّكيّة.
لقد تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ في الطّبّ كثيرًا، وفتح مجالًا لا حدود له للابتكار والمساهمة في تخفيف ألم المريض، واكتشاف المرض حتّى قبل أن يولد أو يتفاقم، حتّى أدّى إلى تناقص الحاجة إلى مراجعة الطّبيب تدريجيًّا، وفي هذا الصّدد يقولُ الطّبيبُ (دانييال كرافت) رئيسُ هيئِة التّدريسِ لبرنامجِ الطّبّ والطّبّ الأسريّ، في جامعة (سينغولاريتي) عن المستقبل للطّبّ: "إنّ دمْجَ هذه التكنولوجيّات، هي المثال الّذي يجب أنْ يُعطى، وفي الختامِ بما أنّنا نفكّرُ في الاتّجاهاتِ الّتي تسيرُ بها التّكنولوجيا، وكيف نؤثّر على الصّحّةِ والطّبِّ، فإنّنا ندخلُ عصْرَ التّصغير، اللّامركزيّة، والشّخْصنة، وأعتقدُ أنّ جمْعَ هذه الأشياء معًا، اذا اسْتطعنا التّفكير بفهم وكيفيّة الاستفادة منها، فإنّه بإمكاننا تمكين المريضِ، وتمكين الطّبيب، من تطوير السّلامة والعافية، وأنْ نبدأَ العلاجَ قبلَ أن نُصابَ بالمرض.. إذًا بعد الإستفادة من كلِّ هذه التّقنيّاتِ، أعتقد أنّنا سندخل في حقبةٍ جديدةٍ، والّتي أودُّ أنْ أسمّيها بـ اللّاطبّ"، ممّا سيفتح الآفاق لتصوّر مدى التقدّم الخياليّ، الّذي سيحرزه المجال الطّبي في الحياة المستقبليّة.
إذًا إنَّ الذّكاء الاصْطناعي سيشكّل تحوّلًا في حياة البشر، وجميع ما سيحصل عاجلًا أم آجلًا، هو أمرٌ لا بدَّ منه بسبب التّطور الكبير الحاصل في حياتنا اليوميّة، وتزايد المسؤوليّات والانشغالات، ممّا يتطلّب تطوّرًا أكثر من أجل الحفاظ على قيمة الوقت، وتجنّبًا لأيّ مخاطر أو أمراضٍ من الممكن أن تواجهها البشريّة في المستقبل، ولكن نتيجة التّكنولوجيا المذهلة، والذّكاء الاصطناعي المتفوّق في مجال الطّبّ، هل ستجعل الطّبيب في المستقبل عاطلًا عن العمل..؟.
محمد سمير رحال