وطلب الصدر من ممثله في مجلس الوزراء، حميد الغزي، أن يسحب استقالته التي تقدم بها بالتزامن مع إعلان استقالة عبدالمهدي، ما يعني عودة كل شيء إلى طبيعته قبل انطلاق الاحتجاجات مطلع أكتوبر.
ويجد مراقبون في تحول موقف الصدر بهذه الطريقة من النقيض إلى النقيض، تمثيلا للضغوط الإيرانية الكبيرة التي تمارس في العراق، ما يعكس القلق البالغ الذي تشعر به طهران في لحظة تشهد تبخر بعض الحلفاء في هذا البلد، الذي تعده طهران ذخيرتها الاستراتيجية.
وتقول مصادر سياسية مطلعة إن الصدر يتشاور مع زعيم منظمة بدر هادي العامري بشأن شكل الحكومة الجديدة، مؤكدة أن الخيار الأول على الطاولة ينص على إبقاء عبدالمهدي في منصبه إن كان هذا ممكنا، فيما الخيار الثاني هو الإتيان بشخصية من خارج الأوساط السياسية وتكبيلها بتعهدات تمنعها من التمرد بعد تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة.
ولا يمكن المضي في تنفيذ هذا السيناريو مع بقاء ساحات الاحتجاج ومواصلتها رفض الخيارات السياسية التي تعرضها الأحزاب الموالية لإيران، لأنها تركز على حماية الطبقة الحاكمة ومصالحها والتزاماتها مع طهران فحسب.
وبالكاد نجحت إيران في تجاوز لحظتها الحرجة في العراق، عندما رفع الشيعة من سكان هذا البلد شعارات ضدها منذ بدء احتجاجات أكتوبر، ما أضر كثيرا بصورتها الخارجية، التي طالما اعتمدت على شعبيتها المفترضة بين أوساط الشيعة في المنقطة، لأنها “أكبر حماة المذهب”.
ويقول مراقبون إن إيران ربما تحاول إعادة إنتاج عبدالمهدي مجددا، لأنها لن تجد من ينفذ أوامرها مثله، لكنه ليس خيارها الوحيد، في حال تسببت إعادة تكليفه في تهييج الشارع العراقي مجددا.
لذلك، فإن عبدالمهدي هو خيار رئيسي فعلا، لكنه ليس الوحيد في مداولات الصدر والعامري، برغم أن رئيس حكومة تصريف الأعمال بدأ في تحقيق الرغبة الإيرانية الأهم، وهي رؤية العراق من غير قوات عسكرية أميركية.
ولم يترك الصدر المهمة لعبدالمهدي بمفرده، بل حاول لعب دوره أيضا، عندما باغت محتجي أكتوبر بالدعوة إلى تظاهرة مليونية يوم الجمعة القادم، ضد ما يصفه بأنه “احتلال عسكري أميركي للعراق”.
ويقول نشطاء إن حركة الصدر ربما تكون محاولة للاستيلاء على ساحات الاحتجاج مجددا، والتضييق على المتظاهرين المستقلين، تمهيدا للقضاء على حركتهم كليا، كي يتسنى للأطراف السياسية بدء ترتيبات إعادة تنصيب عبدالمهدي أو تكليف شخصية أخرى بإدارة المرحلة الانتقالية.
ولم تستبعد مصادر عراقية أن يوجه الصدر أتباعه بالتصدي للاحتجاجات في مرحلة قادمة. فالرجل المعروف بتقلبات مزاجه يبحث عن التبني الإيراني وناله أخيرا.
واعتبر ناشط عراقي أن الصدر يمكن أن يواجه خصومه الشيعة باعتباره ندا لهم عن طريق التبني الإيراني، متوقعا أن يعرض الصدر خدمات غير متوقعة تزيد من حجم التغلغل الإيراني أو على الأقل تعيد إلى إيران شعبيتها في أوساط الفقراء بعد أن فقدتها بتأثير من الاحتجاجات.
إلا أن مراقبا سياسيا عراقيا قال “إن عروض الصدر الإيرانية تظل معلقة في الهواء، ذلك لأنها تنتسب إلى ما قبل الاحتجاجات. فالزعيم الشيعي نفسه كان قد فقد الكثير من تأثيره بين أوساط الشباب. لقد غادره الكثيرون وانضموا إلى الاحتجاجات”.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أنه لا يمكن التعويل على مليونيته التي دعا إليها ضد وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية. لقد صار الهدف من تلك المليونية واضحا وهو تحويل الأنظار عن الهيمنة الإيرانية التي تعيق قيام دولة وطنية في العراق إلى موضوع ثانوي يمكن أن يحل عن طريق إعادة النظر في الاتفاقات الثانوية.
وشدد بقوله “إذا ما كان الصدر يسعى إلى إقناع الإيرانيين بأنه لا يزال ورقة رابحة فإنه في الوقت نفسه يسعى إلى استعادة صورته وإن تم ذلك عن طريق الانتقال من النقيض إلى النقيض”.