بات واضحاً أن التأليف قد دخل ثلاجة الجمود إلى أجل غير مسمى، فالحكومة العتيدة بعيدة المنال، حيث تتعرض عمليّة تشكيل الحُكومة الجديدة الى ما يمكن وصفه بالتقلبات المناخية ، حيث أنه ما أن يجري الحديث عن تجاوز العقبات وعن ولادة وشيكة للحكومة، حتى تحل معلومات مختلفة تمامًا تتحدّث عن العودة إلى المربع الاول، وبعد ذلك يحل نفيًا لأي تعثّر وحديثًا عن تجاوز معظم العراقيل، وهكذا دواليك. لكن وبعيدًا عن المعطيات المُتضاربة الاكيد أنّ الحكومة الجديدة لم تتألف بعد، على الرغم من التدهور الكبير للأوضاع الإقتصاديّة والماليّة وإنعكاس الحال سلباًعلى الاوضاع المَعيشيّة والحياتيّة. فما هي الأسباب التي تعرقل تشكيل الحُكومة؟.
أوّلاً: رئيس الحُكومة المُكلّف حسان دياب يُكرّر تمامًا ما فعله الرئيس نجيب ميقاتي حيث أظهر عنادًا كبيرًا في تعاطيه مع كلّ ما له علاقة بالطائفة السنّية، وبصلاحيّات رئيس الحكومة، بشكل فاق تصرّف الحريري نفسه في هذا المجال! واليوم، يُكرّر رئيس الحُكومة المُكلّف، المُتهم بدوره بأنه لا يُمثّل الشارع السنّي، وبأنّه يُساهم في إضعاف الطائفة بعد إبعاد الحريري مُجدّدًا عن السُلطة، التشبّث بصلاحيّاته، وهو مُصرّ على أن يتمّ تشكيل الحُكومة بالشكل الذي جرى التوافق عليه.
ثانيًا: الثنائي الشيعي الذي لم يكن يومًا مُقتنعًا بإبعاد رئيس الحُكومة سعد الحريري، والذي جارى خيار تكليف الوزير السابق حسّان دياب، نُزولاً عند طلب رئيس الجمهورية والتيار الحر وبعد إنسداد أفق إقناع الحريري وهو صار اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى، راغبًا بأن تكون الحكومة تكنو-سياسيّة، لأنّ الأوضاع في المنطقة لا تحتمل-برأيه، وُجود حُكومة لبنانيّة خالية من أي سياسي مُحنّك وصاحب خبرة. والمُعارضة الناعمة شكلاً، والحازمة مَضمونًا، التي يقودها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لمسار تشكيل الحُكومة وفق ما يرغب به رئيس الحُكومة المُكلّف، يقف وراءها حزب الله المُصرّ على أن تضمّ الحُكومة مجموعة من الوزراء السياسيّين الموثوقين، شأنه في ذلك شأن حركة أمل. وقد إمتنع الثنائي الشيعي عن تسليم الأسماء النهائية لوزرائه، إلى دياب، الأمر الذي أثّر بشكل سلبي ومباشر على مساعي التشكيل.
اقرا ايضا : دور لبنان وتصاعد التوتر في المنطقة
ثالثًا: على الرغم من كل ما يُقال عن حُكومة إختصاصيّين غير حزبيّة، إنّ تسمية هؤلاء الوزراء من قبل الأحزاب التي تملك الأغلبيّة النيابيّة، يضع هذه الأحزاب في موضع المُقرّر وصاحب الكلمة الأخيرة في أي عمليّة تصويت. من هنا يُوجد صراع مُستتر بين رئيس التيّار الوطني الحُر الوزير جبران باسيل من جهة، وكل من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ورئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة، من جهة أخرى، على حجم الحُصص الوزاريّة.
رابعًا: تدهور في العلاقة ما بين رئيس الحُكومة المُكلّف، ورئيس التيّار الوطني الحُر، ما انعكس سلبًا على الإتصالات بينهما، وبالتالي على إتصالات التأليف ككلّ، في ظلّ تمسّك كلّ من الطرفين بمطالبهما على مُستوى الحكومة من دون أيّ تراجع حتى الساعة، مع العلم أنّ أكثر من وسيط دخل في الساعات الماضية بينهما، لإعادة تأمين التواصل المُباشر بين دياب وباسيل، لإعادة تحريك عمليّة التشكيل.
في الخُلاصة، المشهد العام لا يوحي بانفراج على خط إتصالات التأليف، ويبدو أنّ الأمور قد وصلت حاليًا أفقًا مسدودًا، ما قد يستدعي مُراجعة شاملة لمسار التشكيل ككلّ خلال الساعات القليلة المُقبلة.
لكنّ حجم التدهور الخطير الذي ينزلق إليه لبنان واللبنانيّون بوتيرة مُتسارعة، خصوصا وأنّ الضغوط الخارجيّة على لبنان تتنامى بخطّ مُواز لتصاعد النقمة الداخليّة. وهناك من يتحدّث عن تصعيد مفاجئ في كلام التيّار الوطني الحُرّ وحركة أمل للضغط على رئيس حكومة تصريف الأعمال، وبالتالي لدفعه إلى تخفيض شروطه، لا سيّما وأنّه بات يُطالب بوزارات سياديّة من حصّته. في كلّ الأحوال، الأيّام القليلة المُقبلة ستُحدّد ما إذا كانت الأمور ستتجّه مُجدّدًا نحو تذليل العقبات التي إستجدّت، من خلال تقديم تنازلات مُتبادلة، أم نحو نسف خيار حُكومة الإختصاصيّين برئاسة دياب برمّتها. وفي ضوء هذا الأفق المسدود أمام التأليف، وعودة الزخم إلى التحركات الشعبية بفعل الفشل الحاصل في إدارة الأزمة الخانقة التي تقبض على أنفاس اللبنانيين ماليا ومعيشياً، فإنه من الواضح ان الفريق الذي أوصل دياب إلى التكليف قد فقد القدرة على المبادرات السياسية، ولا حل لإخراج البلاد من الأزمة في الوقت الراهن إلا من خلال تشكيل حكومة لإنجاز الملفات والاستحقاقات المترتبة لتسيير أمور البلد والناس.