إمّا أن ينسحب راشد الغنوشي من رئاسة مجلس النواب التونسي، وإما أن يُقالَ عن طريق سحب الثقة منه.
عن طريق ذلك الحل تسعى أحزاب تونس الممثلة في المجلس إلى تصحيح خطئها الذي ارتكبته في لحظة عمى سياسي. فلا يكفي رفض منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي لإسقاط هيمنة حركة النهضة على القرار السياسي بل والحياة السياسية في تونس.
لا يكفي أن تكون حركة النهضة معزولة في مجلس النواب، بحيث لا يقف معها أحد في ما تنوي أن تقترحه من تشريعات من شأنها أن تقضي على آمال الشعب التونسي في الحياة الحرة الكريمة.
فزعيم الحركة يمكنه من خلال منصبه أن يقوم بأفعال قد تؤدي إلى إحراج تونس أو تورّطها في محاور هي في غنى عنها.
الغنوشي الذي يمتلك قدرة على صنع إنشاء بليغ هو في الحقيقة لا يملك مشروعا خدميا واضحا. ما لديه يذكّر بـ”غرغرات” الإخواني السوداني حسن الترابي، مع إضافة مجموعة من الجمل الجاهزة التي تتعلق بالديمقراطية التي لا يؤمن بها.
وإذا ما كان الرجل قد اعتبر اقتراب تركيا من تونس من خلال تورّطها في الحرب الليبية نوعا من حسن الحظ، فذلك في الواقع حدث ينطوي على الكثير من سوء الحظ.
لم يكن الغنوشي في حاجة إلى الاعتراف بأسرار علاقته المتينة بقطر وتركيا. وهو إذ يتحرك في الاتجاهين فإن له أسبابه الإخوانية المبيتة. راشد الغنوشي هو جسر إخواني إلى تونس.
الرجل ليس غامضا. هناك شيء منه يمكن أن يُفتضح بيسر. فهو بالرغم من تمتّعه بنوع من المرونة العملية التي اكتسبها من تجربة الإقامة في لندن، فإنه لا يطيل البقاء خلف كلماته كثيرا.
يفضحه سلوكه وهو لا يرى في انتمائه الإخواني ما يعيب. فهو إخواني وليس لديه ما يقدمه للتونسيين سوى شريعة الإخوان التي تتمتع بمال قطري وغطاء سياسي تركي.
ولكن ماذا بعد ذلك؟
ذلك السؤال الذي يكشف عن اللعبة الخبيثة، وهو ما صارت الأحزاب الممثلة في مجلس النواب التونسي على بيّنة منه. فالرجل المؤتمن على المؤسسة التشريعية يمكن أن يُدخل البلاد في نفق ليس له نهاية.
كاد الغنوشي أن ينجح في فرض حكومة تزجّ بتونس في حرب لن تخرج منها سالمة. تلك الدولة الصغيرة التي حافظت على نفسها وسط العواصف كان من الممكن أن تضيع بعد لقاء رئيسها قيس سعيّد بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي زار تونس باعتباره فاتحا.
كان ذلك خطأ الغنوشي الذي لا يمكنه أن يتفاداه.
فهو ابن الصنعة الإخوانية، لذلك فإن مشروعه الوحيد يكمن في أن يحوّل تونس إلى ولاية إخوانية، ليس بالضرورة أن يكون أردوغان سلطان الخلافة التي تتبعها ولكنه على الأقل المبشّر بتلك الخلافة. كل ذلك صار مكشوفا بالنسبة للشعب التونسي.
فإن صمتَتْ الأحزاب المشاركة في العملية السياسية عن ذلك فإنها تكون مشاركة في الجريمة. وهو ما أدّى إلى إسقاط الثقة عن حكومة الجملي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إزاحة الغنوشي نفسه عن رئاسة مجلس النوّاب. فالغنوشي رجل لا يؤتمن على مصير تونس.
هو محق في ما يؤمن به، غير أن ذلك ينبغي أن يقع خارج إطار الدولة التونسية. هناك شعب ينتظر من دولته خدمات لا يفكر فيها الغنوشي، لذلك وجب عليه أن يستقيل.
أمّا إذا لم يستقل الغنوشي، فإن إقالته ليست بالأمر الصعب.
ذلك إجراء سيعيد الأمور إلى نصابها بالرغم من أن الهزائم الجزئية التي منيت بها حركة النهضة في أوقات سابقة لم تضع حدا لأطماعها في الاستيلاء على السلطة بشكل كامل.
حين يذهب الغنوشي للقاء أردوغان مدّعيا أنه فعل ذلك من أجل تهنئة الرئيس التركي بمناسبة دخول تركيا نادي صانعي السيارات، فإن تلك الكذبة إنما تكشف عن وجهه الحقيقي، الإخواني المتعالي على الشعب والمستخفّ بالدولة.
ذلك حدث يجب أن يتعرّض الغنوشي بسببه إلى المساءلة التي لا بدّ أن تنتهي إلى عزله ومراجعة أوراقه وأوراق حركته.