لا أحد في إمكانه أن يصدّق أن دولة ما تلجأ إلى إسقاط طائرة مدنية. إنه نوع من الجنون. وهو جنون يقع على ضفة المستحيل. غير أنّ ذلك ما حدث فعلا.
هناك صاروخ أرض - جو أُطلقَ من الأراضي الإيرانية وأسقط طائرة أوكرانية بعد دقائق من تحليقها من مطار طهران.
ولأن ذلك الحدث كان مروّعا وغير مسبوق، فإن هناك من يأمل أن لا يكون حقيقيا. هو أشبه بالكابوس الذي يرغب المرء في أن ينتهي.
ولكن إيران التي أنكرت لأيام مسؤوليتها عن الحادثة المأساوية ثم عادت واعترفت، هي ليست محلّ ثقة من جهة ما يشكله نظامها السياسي من أخطار على السلم العالمي.
لقد سبق لها وأن قصفت المنشآت النفطية السعودية وكلّفت أتباعها في اليمن بتبنّي ذلك الاعتداء الذي تبيّن في ما بعد أنه كان إيرانيّا.
كما أن الاعتداء على السفارة الأميركية ببغداد كان مدبّرا من قبل إيران، وهو ما كان السبب المباشر في مقتل قاسم سليماني الذي كُتبَ اسمه على جدار السفارة “سليماني قائدنا”.
خرجت إيران من أزمة مقتل سليماني من خلال ثأر صوري مارسته حين سمحت لها الولايات المتحدة بإلقاء عدد من صواريخها على الأراضي العراقية من غير أن تقع أيّ أضرار بشرية أو مادية على الجانب الأميركي. تلك صفحة طُويت كما صرّح وزير خارجية النظام الإيراني محمد جواد ظريف.
غير أنّ صفحة قصف المنشآت النفطية السعودية لم تُطوَ بعد.
لذلك يعدُّ فتح صفحة جديدة للإرهاب من خلال إسقاط الطائرة الأوكرانية نوعا من الجنون. وما يُقال من أن الطائرة قد أسقطت بشكل غير متعمّد لا يمكنه أن يتستّر على الجريمة التي قد يكون النظام الإيراني قد ارتكبها متعمدا.
هل تحتاج إيران إلى أن يمتلئ سجلها العالمي بجرائم جديدة؟ شيء من هذا القبيل يمكن أن يكون صحيحا. إيران ليست دولة سوية. يكفي أن تكون دولة للوليّ الفقيه لكي يُحكم عليها بالتخلّف والانحطاط والانفصال عن العالم المعاصر. وهو ما سعت أوروبا إلى التغاضي عنه في محاولتها التخفيف من تأثير الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي من أجل إبقاء إيران في دائرة السيطرة.
تلك محاولة فيها الكثير من النفاق السياسي والكذب المفضوح. وهو ما سيصطدم الأوروبيون به حين يسعون إلى فهم أسباب إسقاط الطائرة الأوكرانية.
فإذا ما كانت إيران قد اعترفت رسميا بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة المدنية، فإن ذلك الاعتراف انطوى على تبرير ملفّق ألقى باللائمة على الولايات المتحدة التي هددت كما يقول بيان الاعتراف بأنها ستضرب الأراضي الإيرانية إذا ما لجأت إيران للانتقام لمقتل سليماني.
ذلك عذر أقبح من ذنب كما يقال. وهو عذر ليس صحيحا.
ما حدث يمكن أن يفتح صفحة جديدة عنوانها “حظر التحليق في الأجواء الإيرانية” بمعنى أن يغلق الفضاء على الإيرانيين.
تلك دولة لا أمان لها. فهي من الممكن أن ترتكب من الجرائم ما لا يمكن توقعه وضد بشر أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم اقتربوا منها.
إيران، على غرار نظامها، هي دولة ممسوسة بالشر ولا يمكن التعامل معها بنوايا حسنة. لا لشيء إلا لأنها لا ترى في العالم الخارجي إلا عدوا. ومهما حاول الآخرون أن يهدّئوا من روعها فإن توحشها يزداد ضراوة.
ما حدث للطائرة الأوكرانية المنكوبة يمكن أن يتكرر في أيّ لحظة.
فدولة لا تكتشف حسب بيانها الرسمي أن دفاعاتها قد أسقطت طائرة مدنية إلا بعد أيام، لا ينفع أن تبقى ضمن الخارطة التي تتحرك فيها الطائرات بأمان. وهو ما يلقي على دوائر القرار العالمية مسؤولية فرض حظر جوي على إيران التي صارت لا تستثني أحدا من تداعيات جنونها.
لقد آن للمجتمع الدولي أن يتفق على أن إيران هي معقل التطرف والتشدد الأعمى الذي يسمم هواء العالم بالإرهاب.