اتّخذ البرلمان العراقي قراراً بإخراج القوات الأمريكية من العراق، بعد حادثة اغتيال القائد الميداني قاسم سليماني، وأعقبت هذا الحادث تهديدات إيرانية بضرب الأهداف العسكرية في المنطقة العربية، بما فيها العراق، ولاحظ المراقبون أنّ القرار الذي اتخذه البرلمان العراقي جرى بغياب المُكونات الأساسية في التشكيلة المذهبية والإثنية في العراق، لغياب النواب السُّنّة والنواب الأكراد، فلو حصل مثل هذا الأمر في لبنان لتعذّر اتّخاذ قرارٍ على جانب من الأهمية كقرار إخراج قوات أجنبية من البلاد، لافتقاده للميثاقية أثناء التصويت، وليتبين فيما بعد أنّ شكوكاً فعلية قد تتعلّق بغياب النصاب أثناء التصويت، إلاّ أنّ ما يلفت النظر في العراق، ويُثير العجب أيضاً، هو موقف المُكوّن الشيعي من الوجود العسكري الأمريكي في العراق، فالثّابت أنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد بذلت الغالي والرخيص لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، وكان وما زال، المستفيد الأول من إزاحة حكم الطاغية صدام حسين هم الشيعة ويليهم الكُرد، ويأتي بعد ذلك النظام الإيراني، فقد ترك الرئيس الأمريكي باراك أوباما العراق لُقمةً سائغة بإخراج القوات الأمريكية من العراق، والأدهى من ذلك أنّ رئيس الحكومة العراقية المستقيلة السيد عادل عبدالمهدي يقول بالأمس مُعقّباً على قرار البرلمان العراقي بأنّ العراق كان خالياً من القوات الأجنبية طوال ثلاث سنوات(من العام ٢٠١١-٢٠١٤)، إلاّ أنّه أغفل الاعتراف بأنّ العراق تعرّض خلال هذه الفترة لأسوأ محنة في تاريخه المعاصر، عندما احتلّت قوات "داعش" مدينة الموصل وواصلت زحفها حتى مشارف العاصمة بغداد، فقتلت وسبَت وأحرقت ودمّرت، وعاثت فساداً حتى تطلّب القضاء عليها حشد تحالف دولي من أكثر من ثمانين دولة، وقوّة طيران صاروخي غير مسبوقة في التاريخ الحديث، لعبت خلالها الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأبرز، واليوم وفي حين ما زال الخطر "الداعشي" ماثلاً للعيان، يطلب البرلمان العراقي من الدولة التي قدّمت للقوات العسكرية والأمنية العراقية الدّعم اللازم للقيام بواجبها في تحرير العراق من قبضة داعش، وهذا فقط، كُرمى لعيون الإيرانيّين الذين لم يتركوا فرصة لنهب خيرات العراق إلاّ واستغلوها، وأنفقوها على مغامراتهم العسكرية في اليمن وسوريا ولبنان وقطاع غزة.
في سالف الزمان قدِم رجلٌ من اليمامة، فقيل له: ما أحسن ما رأيتَ بها؟ قال: خروجي منها.