عشرات الأفلام الأميركية التي تنتجها هوليود تظهر فصول درامية وبعضها واقعية لما أطلق عليه لعنة العراق وقبله أفغانستان. تمحورت خطايا الجنود الأميركان في العراق المحتل في قتل كل من يقفون في طريقهم من المدنيين العراقيين أو يسكنون بيتاً يتوقعونه ملاذاً للمقاومة المسلحة. وكانت اعترافات أولئك الجنود المتورطين في القتل تكشف عمق الجريمة التي اقترفها الاحتلال في مدن الفلوجة والموصل وأطراف بغداد. وكيف يتفاخر بعض الجنود الأميركان بعدد القتلى من الأطفال والنساء العراقيات، وهناك إحصائيات عديدة تحتفظ بها المؤسسات الأميركية السياسية والاجتماعية والمعنية بحقوق الإنسان أدانت تلك الجرائم، ولم تعترف الإدارات الأميركية العليا خصوصاً في ظل حكم جورج بوش الابن بذلك لخشيتها من الملاحقات القانونية.
تركت هذه الفواصل الإجرامية آثارها على نفوس المقاتلين الأميركيين بعد عودتهم إلى ديارهم فأصبحت هذه اللعنة تلاحقهم، فتحوّلوا إلى معاقين نفسياً وصلت عند العشرات منهم إلى حالات الانتحار أو الانخراط بتجارة المخدرات للعائدين من أفغانستان. وفي الولايات المتحدة هناك شفافية عالية في كشف الحقائق التاريخية، خصوصا المتعلقة بالاحتلالات الأميركية عبر التسريبات الصحافية أومن خلال الأعمال السينمائية وهي الأكثر تأثيراً في نفوس الأميركيين داخل أميركا أو المتلقين خارجها من العرب والعالم. وسيظل الاحتلال الأميركي للعراق وجرائم سجن أبوغريب وغيرها لعنة تلاحق أولئك المسؤولين الأميركيين الكبار والصغار وكذلك جميع من عاونهم من العراقيين بعد عام 2003 خصوصاً أولئك الذين يدّعون اليوم معاداتهم لها.
ولكن ماذا عن مسلسل الجرائم التي اقترفتها إيران ضد العراقيين منذ الأيام الأولى لعام 2003 برعاية أميركية في تعقّب واقتناص وقتل قادة الجيش الوطني العراقي وطياريه الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية، بين 1980 و1988، وكذلك نُخب العلماء من المهندسين والأطباء والأساتذة، وانتشرت السجون خصوصا في بغداد وفق البرنامج الإيراني للتصفيات بإشراف قادة من الأحزاب وبأدوات الميليشيات المسلحة ومورست فيها أبشع أنواع التعذيب من بينها القصص المرعبة حول القتل بـ”الدريل” وهو آلة ثقب حديدية بإشراف وزير الداخلية الأسبق علي بيان جبر حسب ما أشيع حوله.
دخل فصل جديد من تصفيات عشرات الألوف من المدنيين العراقيين بعد رحيل القوات الأميركية من العراق عام 2011 تحت غطاء الحرب على داعش والاتهام الجائر ضد أبناء المحافظات العربية السنية، بعد تمكّن الميليشيات الموالية لإيران من الهيمنة على المفاصل الأمنية والعسكرية في تلك المحافظات في محاكاة للحرس الثوري الإيراني، فتم منع غالبية المواطنين من العودة لديارهم ومدينة جرف الصخر واحدة من أمثلة تلك الفظائع حيث تحتوي على السجون السرية ومنع أهلها من العودة إليها دون أن تتدخل ممثلية هيئة الأمم المتحدة ببغداد وهي المتهمة بالتواطؤ مع حكومة بغداد.
التطور الأخطر بالجرائم ضد الإنسانية حصل بعد انتفاضة الأول من أكتوبر2019 حيث تم قتل وجرح أكثر من 23 ألف شاب عراقي بأساليب إيرانية مدبرّة بدقة وبخبرات قاسم سليماني، تنفذها الميليشيات التي تدعي انتسابها للحشد الشعبي عبر حلقات إجرامية مبرمجة انتقلت من القنص إلى الاختطاف والقتل البشع، وما زال هذا المسلسل الإجرامي ساريا بتضامن وصمت الحكومة بل وبتنفيذ من بعض أدواتها التي تتقاسم الإجرام مع تلك الميليشيات.
يمرّ العراق الآن بمرحلة تحوّل كبرى على يد شباب الانتفاضة في آخر فصول المعركة مع إيران ووكلائها من الميليشيات التي فقدت قدرتها على التماسك، فاستغلت قصة الهجوم على السفارة الأميركية ببغداد لتخلط الأوراق وتفكك ساحات الاعتصام تمهيدا لإنهائها، لكن المؤامرة سقطت على يد المنتفضين الذين أعلنوا البراءة مما حصل في المنطقة الخضراء الأسبوع الماضي في استهداف السفارة الأميركية وما تبعها في قتل رأس الاحتلال الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن قاسم سليماني.
يبدو أن لعنة العراق تلاحق حكام إيران، وقبل أن تأتي اللحظة التي يراجع فيها سليماني نفسه ما اقترفه من جرائم ضد العراقيين والسوريين، قد أخذ جزاءه العادل. لكن إيران تمتلك جيشاً يحمل ذات عقيدة القتل والتدمير وقد يبرز آخر يزايد على دور سليماني. مع ذلك ستطاردهم جميعا لعنة العراق خصوصا أولئك الذين يعيشون في العراق ويحملون جنسيته.
الرّد عند شباب الانتفاضة الشعبية الذين يقفلون اليوم أبواب عهد دموي تديره إيران ووكلائها في العراق، ليفتحوا أبواب عهد مشرق جديد مخضّب بدمائهم الزكية سينهي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ العراق في ظل الاحتلال الإيراني، عندها ستفتح جميع ملفات قتل العراقيين. وستتكرر ذات لعنة العراق على وكلاء نظام طهران في العراق وقد يأسفون لشبابه وشعبه ويندمون على ما اقترفوه من جرائم تندى لها الإنسانية. لكن اللعنة ستلاحق نظام الملالي في طهران.