كلما اشتدت الأزمة الاقتصادية كلما كانت عواقبها وخيمة على المواطنين وكلما انعكست تراجعاً في القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع نسبة البطالة وتراجع الرواتب. الحل الأسرع للانتقال من هذا الواقع نحو واقع افضل الهجرة، خصوصاً انّ اللبناني يتمتّع بمهارات عالية. فهل ازدادت حالات الهجرة نتيجة الأزمة؟ وما العوائق التي تحدّ من انتشارها؟
 

تُقدّر الجالية اللبنانية الموزعة في كل اصقاع الارض بما بين 12 إلى أكثر من 18 مليون شخص، أي أضعاف عدد سكان لبنان المقيمين الذي يبلغ حوالى 4 ملايين نسمة. وشهد لبنان موجات هجرة عدة في السنوات الماضية، اي في مرحلة ما بعد الحرب نتيجة الاوضاع الاقتصادية والسياسية والامنية السيئة. وبعد اشتداد الأزمة الاقتصادية اليوم وتوقّع تفاقمها في المرحلة المقبلة، حيث تقف البلاد على شفير الانهيار، يستعد العدد الاكبر من اللبنانيين الى شدّ الرحال والانطلاق نحو عالم جديد. الّا انّ هذه الخطوة باتت محفوفة بالمخاطر والصعوبات والتحدّيات التي قد تعرقل او تصعّب هذا الخيار.

 

يقول الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ«الجمهورية»، انه «وفق الاحصاءات التي قامت بها الشركة الدولية للمعلومات منذ مطلع العام حتى نهاية شهر تشرين الثاني 2019، تبيّن أنّ عدد اللبنانيين الذين سافروا ولم يعودوا وصل إلى 61,924 لبنانياً مقارنة بـ 41,766 لبنانياً خلال الفترة ذاتها من العام 2018، أي بزيادة 20,158 ألفاً وما نسبته 42 في المئة».

 

ولفت الى أنّ هذه الأرقام تصدر على صعيد سنوي، لذا لا يمكن أن نتوقّع ما اذا كانت ستزيد النسبة العام المقبل، خصوصاً انّ ظروف العمل في الخارج تزداد صعوبة، فربما اكثر من 90 في المئة من الشعب اللبناني يتمنى الهجرة من البلد بفورة عاطفية ونتيجة الظروف التي نعيشها، انما لا شك انّ السفر بات امراً صعباً. فالدول ما عادت تستقبل مهاجرين بسهولة. حتى انّ ظروف العمل في الخارج باتت صعبة. لذا وبالعودة الى المنطق، كثيراً ما يزن الراغبون بالهجرة الاستقرار العائلي الذي يتمتعون به، مثل السكن والسيارة، في حين انّ الامور في الخارج لم تعد بالسهولة كالسابق، كما انّ الرواتب في الخارج لم تعد مرتفعة بل تدنّت الى النصف. الّا اننا لا زلنا نلمس رغبة لدى الشباب اللبناني او الطلاب بالهجرة، خصوصاً اذا لم يوفّروا بعد مسكناً خاصاً بهم او لم يؤسسوا عائلة. وبالتالي يمكن التأكيد على انّ الرغبة بالهجرة موجودة لدى الكل، الّا انّ الظروف ليست مؤاتية او لا تساعد.

 

أما عن ابواب الهجرة المفتوحة امام اللبنانيين، فقال: «انّ هجرة اللبنانيين موزعة على كل الدول وليس صحيحاً انّها تتركّز على دول معينة، وما يتردّد عن فتح كندا ابواب الهجرة للبنانيين ليس دقيقاً، فهناك على الاقل نحو 500 الف ملف عالق».

 

عن البطالة...

إذا كانت الهجرة هي رغبة الكثيرين، يبقى انّ البطالة هي أحد اهم الدوافع الى الهجرة. في هذا السياق، يؤكّد شمس الدين، انّ «أي احصاءات عن البطالة نتيجة الظروف الاقتصادية القاسية التي نمرّ بها لم تتضح بعد، اذ لا يمكن اصدار مؤشر او احصاء عن البطالة اسبوعياً او شهرياً، فهذا الامر يتطلب احصاءات على مدى عام. ولا شك انّ نسبة البطالة زادت نتيجة الأزمة الاقتصادية وهي تقدّر بأقل من 10 آلاف عاطل من العمل. وبتقديري انّ ما تمّ الترويج له انّ عدد العاطلين من العمل يبلغ 160 الفاً، فهذا رقم مبالغ فيه، لانّ عدد العاملين في القطاع الخاص، من ضمنهم القطاع الزراعي، يقدّرون بنحو 150 الف عامل. لذا لا يُعقل انّ نحو ربع العمال تمّ صرفهم في ظرف شهرين، اضف الى ذلك انّه لو انّ رقم 160 الف عاطل من العمل صحيحاً، واعتبرنا انّ هناك على الاقل شخصين مرتبطين بكل عامل، ما يعني ان نحو نصف مليون لبناني عاطل من العمل، لكنا شهدنا كوارث اجتماعية لا تحمد عقباها».

 

اضاف: «لا شك انّ هناك تراجعاً في حجم الاعمال نتيجة الأزمة التي نمرّ بها، ومن المقدّر انّ نحو 50 الف عامل تراجعت رواتبهم ما بين 20، 30 او 50 في المئة، وهنا تكمن الخطورة اذ انّ هؤلاء لن يعودوا قادرين على دفع الاقساط المتوجبة عليهم خصوصاً اقساط المدارس، وبالتالي انّ المعلمين قد لا يقبضون رواتبهم في الفترة المقبلة. واذا لم تتوفر الحلول السياسية للأزمة في القريب العاجل فإنّها ستؤدّي الى صرف نحو 30 الف استاذ واقفال المدارس. واعتبر انّ الخطورة لا تكمن في ما حصل حتى الآن انما في ما سيأتي في حال لم تتوفر الحلول».

 

وأشار شمس الدين الى انّ نسبة البطالة طالت خصوصاً القطاع السياحي، حيث وصلت الى نحو 80 في المئة، والمعنيون هم العاملون في القطاع السياحي ككل من فنادق ومطاعم وشقق مفروشة وتأجير السيارات، تبعته نسبة بطالة مرتفعة في قطاع النقل، ونسبة بطالة مرتفعة ايضاً في قطاع الالكترونيات تقدّر بـ 60 في المئة، كما لوحظ أنّ نسبة بطالة اقل قد شهدها قطاع المأكولات مثل السوبرماركت تراوحت ما بين 10 الى 15 في المئة.