تمت بسهولة أميركية عملية إغتيال أعلى رتبة ميدانية جهادية في جهاز القيادة الإيرانية الفعلية و أهم شخصية مقررة و مشرفة و قائدة لكثير من البلدان المسؤول عنها و صاحب القرار الفصل و النهائي في العراق خصوصاً لما يتمتع به من نفوذ جعله مطمئناً على نفسه فيدخل و يخرج متى شاء دون الدخول من الطرق الشرعية و الدبلوماسية و هذا إعتراض العراق الرسمي عليه كونه لا يدخل العراق من أبواب الدولة بل من معابر الميليشيات و الحشد الشعبي لذا ثمّة خلل في الموقف الرسمي العراقي لا من عملية الإغتيال و لكن من تداعيات العملية و ضرورة إتخاذ موقف من الوجود الأميركي الذي تتمسّك به الحكومات العراقية .
ربما تكون هناك جرعة إطمئنان زائدة من قبل قاسم سليماني لذا جعل من نفسه صيداً سهلاً للصيّاد الأميركي و مصدر هذه الجرعة كأس التفاهم العملي ما بين الولايات المتحدة الأميركية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الذي أتى من مياه راكدة بين البلدين الذين أقاما قواعد علاقة قائمة على عدم الضرر و الإضرار بمصالح بعضهما و ترك الخلافات للمعالجات السياسية دون إعتماد وسائل أخرى لذا هدأت عمليات تطال المصالح الأميركية و تمّ التعاطي مع الضرورات الأمنية الإيرانية بالطرق الدبلوماسية دون إستخدام القوة الأميركية و هذا ما إتضح أكثر في عهد الرئيس الأميركي أوباما .
في عهد ترامب تم التراجع عن منطق التعاطي السوي و الذي سمح لإيران أن تكون ممسكة بالعراق و مقاتلة في سورية و اليمن ضمن رؤية إستنزافية نضجت مع الوقت و بات التعاطي معها أفضل الصور الأميركية خاصة و أن هذه الرؤية معتمدة على الصراع المذهبي السني و الشيعي و في اللحظة التي شعرت فيها القيادة الإيرانية أنها أقوى الأقوياء في منطقة الشرق الأوسط و قد صرح اكثر من مسؤول في الحرس الإيراني بأن أكثر من دولة عربية تحت الإمرة الإيرانية و أن باقي الدول و خاصة دول الخليج قابعة أيضاً تحت إمرة الصواريخ و القوة العسكرية الإيرانية إندفع الثور الإميركي هائجاً لإعادة ملعب المنطق و فق حوافره فاعتمد على روسيا في سورية و سمح لتركيا بدخول سورية بعد أن باع الأكراد ليجعل من إيران الدولة الثالثة من بين الدول المعنية مباشرة بالنظام و بالمستقبل السوري .
أولى خطوات الولايات المتحدة كانت الإسراع في الإنسحاب من الإتفاق النووي و هذا ما خلع كتف إيران التي تحمل عليه بندقية القوّة التي تحارب بها في المنطقة و هذا ما هزّ الوضع الإقتصادي الإيراني مع موجات جديدة من العقوبات الأميركية قضت على أيّ إمكانية لعودة الإقتصاد سالماً في مواجهة العقوبات الأميركية خاصة و أن أميركا فرضت عقوبات على كل دولة تتعاطى مع إيران تجارياً و هذا ما أضاق ذرعاً بأذرع إيران في المنطقة كونها حُصرت أيضاً مالياً و باتت العقوبات تطالها بشكل فتح أزمات خانقة و منها أزمة لبنان الإقتصادية و التي أفقرت مؤسسات كبرى و هي مدعوة إلى إفقار شعب بكامله و تهديد حيتان الأموال بأموالهم في بنوك الخارج في ظل تراجع لدور حلفاء إيران من خلال تمسكهم بقشة حسان دياب علّه ينجيهم من بحر العقوبات .
بدت إيران ضعيفة أمام إجراءات الولايات المتحدة من النووي إلى العقوبات إلى تراجع أهميتها في سورية بعد أن إستلم الروس قرار النظام فيها إلى اليمن الذي يندفع نحو التجاوب مع خيارات التسوية و فق قرارات الأمم المتحدة إلى فلسطين حيث تعتمد حماس على الأموال القطرية و لم تعد خاضعة لسيطرة الدعم الإيراني إلى لبنان حيث و قفت مع حلفائها عاجزة عن مواجهة أزمة إقتصادية مبشرة بإنهيار كامل للمؤسسات و هذا ما يضع لبنان في حسابات غير قادرة على تسديد أي فاتورة إيرانية لإفلاسه سياسياً .
كل الخيارات الإيرانية مفتوحة للردّ على عملية إغتيال القائد الكبير صاحب القرار الفعلي في إيران و خارجها و لكن طبيعة هذا الرد لن يكون كما يتصور بعض المتحمسين بالعودة إلى ما قبل التفاهمات الأميركية – الإيرانية أي إلى تهديد أميركا بمصالحها بعد أن خرجت أميركا عن قواعد الإلتزام بمطنق الخلافات المنظمة بين الدولتين بل بالعمل على تجاوز مرحلة ما قبل الإغتيال و التي كان العراق سبباً رئيساً في ذلك من خلال تكريس صيغة التعاطي الحذر مع مصالح الدولتين في العراق خصوصاً لأن لا إيران في وارد ترك العراق ولا أميركا في وارد الخروج من العراق لذا لا الحشد الشعبي بقادر على إخراج الأميركيين ولا أميركا بقادرة على عزل العراق عن إيران لذا ستعتمد آليات تعاطي جديدة بين أميركا و إيران لأن عملية إغتيال الرمز الجهادي الكبير قاسم سليماني كانت بمثابة رسالة و اضحة للقادة الإيرانيين و مفادها أن طيش ترمب لا حدود له و أن من طال بسهولة أعلى رتبة في القرار الإيراني يستطيع أن يطال آخرين من رتب قائد فيلق القدس و بالتالي فإن جنون العظمة عند ترمب تعصف بالعالم أجمع و إيران أضعف الدول التي يعاقبها المصارع الأميركي .