بعد مخاضٍ عسير، أصبح عندنا رئيس حكومة مُكلّف بتشكيل حكومة إنقاذية حيادية، هو دولة الرئيس دياب، أمامه مُهمّة مُلحّة وشاقّة كي يدخل نادي رؤساء الحكومات اللبنانية، على الحكومة العتيدة أن تمتلك برنامجاً واضحاً يمكنهُ التّصدّي لأزمات البلد المتفاقمة، وبعد مضي أكثر من أسبوعين على التّكليف ووصول دياب إلى مشارف تأليف حكومة اللون الواحد( أي حكومة التيار الوطني الحر مع الثنائي الشيعي بقيادة حزب الله)، يكتشف اللبنانيون أنّ الرئيس الملكّف الذي تنطّح لقيادة سفينة السلطة الفاسدة إلى برّ الأمان، مُصابٌ بالخرَس، منهجُه أن لا منهج له، ومذهبهُ في السياسة أن لا مذهب له، نشاطاته خبصٌ في خبص، حديثه لا يتخطّى شفتيه، لا يستقرُّ على حال، كأنّه الزئبق الرجراج، يدخل دارهُ من باب ويخرج من آخر، مُتخفيّاً كالهارب، ولعلّ أبرز وصفٍ له بين شياطين السياسة اللبنانيين هو وصف الرجل المُداجي، لا يستطيع أن يُؤلّف حكومة مُستقلّة ومُرتهنة في ذات الوقت، دون أن يخبط في بيداء المكر، وأحبولتهُ في ذلك الابتسامات الصفراء التي ليست سوى ضروبٍ من النفاق والهُزء بقدرات الانتفاضة الشعبية اللبنانية، لا بل إنّ بعض السياسيين ومعهم آلاف الثوار يشعرون بأنّ الرئيس المكلّف "يُربحنا جميلة" بتصدّيه لمشروع التأليف هذا، فلا يُكلّف خاطره بأن يتوجّه للمواطنين بكلمة تهدئة أو ترضية أو تهنئة أو تعزية، حالُهُ معنا كحال ذاك الشاعر "الفرنجي" كما يروي مارون عبود مع معّاز الضّيعة، الشاعر يتغنّى بحياة الرعيان: يتنشّقون الهواء الطلق العليل، يستمتعون بحرارة الشمس المُطهّرة، ومناظر الطبيعة الخلّابة، يحتفي الراعي بمنظر القطيع المهيب الذي تسوسُه الكلاب المُطيعة، فيُجيبه المعاز مقاطعاً" هذا الشاعر مثلك ( والكلام مُوجه لمارون عبود)، لا يعرف من حياتنا سوى دقّ القصب (المزمار) والغنا، لا يعرف أنّي أنام مرّات وما عندي عشاء الليلة، أمس استعرنا عشرة أرغفة، لا يذكر كيف نهرب من "العدّاد" (الذي يعُدّ المعزى لاستيفاء الضريبة عنها)، ولا ما يصيبنا أيام البرد والثلج، نسي الشاعر المرض الذي يفني المعزى، تعجبكم حياة المعّازة في الربيع، ولمّا يمعكنا(يمرغنا) المطر ولا نجد مغارة نلطي بها، يكون الشاعر قاعداً قرب النار يتدفّأ.
دولة الرئيس دياب: عندما يُهانُ المواطنون في المصارف، ويُصرفون من وظائفهم، ويبيتون في العتمة، ولا يجدون قوت يومهم، ويفترشون الأرض أمام أبواب السفارات، تكون أنت مُحاطاً بحراسة مُشدّدة،وتنعم زوجتك وابنتك برفقة سائق ومُرافق، والحكومة المرجُوّة ما تزال في عالم الغيب، مع اليأس منها قبل ولادتها، والتّأسُف على الوقت الثمين الذي ضاع والذي يبدو أنّه سيضيع، بانتظار مجلس نواب جديد، وحكومة جديدة لا يطبخها ذئاب السلطة الفاسدة، والذين سيسقطون حتماً بفضل الانتفاضة التي ما زال وهجها مُلتهباً.