العالم يعشق الإثارة ويحبّ البطل، خصوصاً إذا كان ضعيفاً وخصمه جباراً. وما من شكّ أن المنتجين والمخرجين الكبار والصحف الكبرى استنفروا أنفسهم وخزائنهم منذ الآن لعرض قصّة فرار كارلوس غصن من بين أصابع الحرس الياباني المُهان. ليس فرار كارلوس غصن مثل سواه من الأفلام التي أنتجتها هوليوود على مدى السنين. جميع أفلام الهروب تدور حول الفرار من السجون المُحكَمة أو من معسكرات الاعتقال الرهيبة، لكن صاحبنا هنا فرّ من الإقامة الجبرية وعلى صوت الموسيقى، وخرج من طوكيو ليحتفل باليوم الأول من السنة الجديدة مع أهله في بيروت.
سارع الكثيرون تلقائياً إلى تشبيه العملية بأفلام جيمس بوند. لكن العقل الذي رسمها أكثر إبداعاً. وفي مثل هذه الحالات، العنصر الأهمّ هو الجرأة، وهي هنا أشدّ من جرأة بوند. إنها شجاعة رجل - أو أكثر - يسخر من دولة إلكترونية كبرى، وضعت كلّ مكانتها في مواجهة رجل غريب، أجنبي، أعزل، تمكّن بحيلة سينمائية مضحكة، من خداع شرطتها وأمنها، وكل ما خطر في بالها من خواطر. عاشت الصحف اليابانية أكثر من عام على أخبار كارلوس غصن.
ووصفته «أساهي شيمبون» بـ«الضوء والظلمة» خلال سنواته التسع عشرة في اليابان، أي الرجل الذي أنقذ الصناعة وخالف القانون، وسوف تمضي الصحافة فترة أطول في تغطية الهزيمة والبحث عن مبرّرات. لكن مشكلتها سوف تبقى واحدة، وهي أن الرجل الفارّ ليس شريراً ولا مجرماً، بل إن القانون الياباني هو الوحيد في العالم الذي لا يزال يعتبر المرء مداناً حتى يثبت العكس.
استخدمت وكالات الأنباء كلمة «عاد» إلى بيروت ثم عادت فاستبدلت بها «وصل»، لكيلا توحي بأن بلده الأمّ متورّط في العملية. والبعض يقول إن زوجته أدارت من أميركا هذه العملية الخيالية بمساعدة فرقة متخصّصة. وسوف يُضاف بعد اليوم الكثير من الملح والبهار إلى الرواية. وحتى بعد المؤتمر الصحافي الذي سوف يعقده، سوف تظلّ التكهّنات والمخيّلات تمتّع نفسها بمسألة لا تحدث إلا نادراً. في أي حال، عندما يحكي الهارب الكبير، فلن يقول كلّ شيء، بل سوف يغطّي، حكماً، الشركاء والمدبّرين ومندوب «ديزني» الذي اخترع فكرة الفرقة الموسيقية ليلة رأس السنة. فرنسا الرسمية تنفي معرفتها بشيء. ولبنان ينفي. والشيء المؤكّد الوحيد هو أن أشهر معتقل في اليابان، أصبح أشهر حرّ في بيروت. الباقي إثارة مسلّية. أهلاً بك في بلدك الأمّ.