تساؤلات عن دور الأوقاف في توفير الأمن الإجتماعي لمجتمعاتها المحلية
التمديد للمفتي الشعار نذير شؤم وفتنة. ودليل على أن الرئيس سعد الحريري ومن ورائه الرئيس فؤاد السنيورة لا يقيمان وزناً للعلماء ولا لشركائهما في المجتمع السني ولا للرأي العام في المدينة.
لم ير الحريري والسنيورة كيف ثار الناس ضد مالك الشعار ولم يريا مدى المشكلة القائمة بينه وبين المدينة.
هذه العجرفة المستمرة من الحريري هي التي جعلته زعيم نواب أغرار وخسٌرته زعامته السنية والوطنية.
كان الأجدى بالرئيس الحريري وبمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إعلان حالة طوارئ في مؤسسات دار الفتوى وتيار المستقبل وإستنفار الطاقات كما تفعل المرجعيات الأخرى (بكركي وغيرها) للتحضير لكيفية مواجهة المرحلة المقبلة التي تهدد اللبنانيين بأمنهم الغذائي والإجتماعي.. بدل فتح الندوب في الجسم السني بتعيين مفتٍ يعادي المدينة وتعاديه..
لا يجب أن يمر التمديد للشعار لأن مروره سيعني أن دار الفتوى والأوقاف ستكون في دائرة الفساد والتعطيل في ذروة الأزمات الآتية إلينا.
توشك الولاية الممدّدة لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار على نهايتها، في 31 الجاري، بعد بلوغه السن القانوني للتقاعد في أيلول 2018، حينما أصرّ الرئيس سعد الحريري على تجاوز إجماع قيادات طرابلس ونخبها على ضرورة إنتخاب مفتٍ جديد، رغم وصول الشعار إلى سن الخروج من الوظيفة العامة، فكان التمديد بالضربة السياسية الحاسمة، بينما تتواتر الأنباء عن إصرار الرئيس سعد الحريري ومن ورائه الرئيس فؤاد السنيورة ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على التمديد مرة جديدة للمفتي الشعار.
ترك التمديد الأول آثاراً سلبية لا تزال ماثلة للعيان، أعادها للذاكرة إتصال الرئيس نجيب ميقاتي الداعي بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان للبحث في موضوع انتخابات إفتاء طرابلس، حيث دعا الرئيس ميقاتي الى "العمل من أجل أن يكون هذا الاستحقاق الإنتخابي ضمن المهلة التي سبق أن حددت واتاحة الفرصة للهيئة الناخبة لإختيار شخصيةٍ تواكب التحديات التي تواجه الطائفة في طرابلس والشمال ككل".واعتبر "انه من الخطأ القفز فوق القوانين ورغبة اكثرية المعنيين بإجراء هذا الاستحقاق من خلال محاولات تمديد ولاية المفتي الحالي مجددا".
وقال ان "القوانين تحدد آلية واضحة تنص على تسلم امين الفتوى مهام الافتاء الى حين انتخاب مفتٍ جديد".
أطلق تصريح ميقاتي سلسلة مواقف كان مجملها داعياً إلى إنهاء "بدعة" التمديد، وإعمال القانون، بينما إتخذت الحملة المؤيدة للمفتي الشعار طابعاً حزبياً وفئوياً، حيث تذرّع داعموه بضرورة جمع الطائفة وتوحيدها في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد.. متسائلين "لماذا لم يحصل ذلك مع بقية المفتين في المناطق اللبنانية الأخرى، حيث هناك تسعة مفتين في بقية المناطق اللبنانية يجدَّد لهم تلقائيًا، لما فقط محاربة مفتي طرابلس فقط لأنه وقف مع دم الشهيد رفيق الحريري ولن يتخلى عن دولة الرئيس سعد الحريري؟" معتبرين أنه من هنا بدأت المعركة وأصبح ضرورى ازالة مفتي طرابلس من قبل خصوم الرئيس سعد الحريري".
في المقابل، كانت سلسلة مواقف للوزير السابق أشرف ريفي ولأعضاء في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، كما إنتشر عبر وسائل التواصل الإجتماعي "كتاب عاجل ومفتوح من علماء طرابلس إلى الرئيس الأستاذ فؤاد السنيورة" جاء فيه:"إنه ليحزن اللبنانيين عامة والمسلمين خاصة أن يشهدوا سجالات عنيفة في هذه الأيام السوداء حول قضية انتهاء ولاية سماحة مفتي طرابلس والشمال ورغبته الواضحة في انتزاع تمديد إضافي ثان!!
وقد بلغنا سعيكم الشخصي الحثيث لدى دار الفتوى وبعض المرجعيات السياسية للحؤول دون الدعوة لإجراء انتخابات مفت جديد لطرابلس والشمال خلافا للنصوص الشرعية والقانونية الواضحة، كل ذلك باسم مقتضيات المصلحة الاسلامية العليا !!وبصفتكم عضوًا في المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى!!
وتوجه البيان إلى الرئيس السنيورة بالقول:"إننا نتساءل وبكل مسؤولية وموضوعية وبعيدًا عن تقييم عهد سماحته مدحًا أو قدحا: هل من المصلحة الاسلامية العليا للمسلمين الإمعان في انتاج المزيد من الانقسامات عبر تعطيل النصوص القانونية الواضحة والضغط باتجاه عدم الدعوة لإجراء انتخابات مفت جديد لمدينة طرابلس الفيحاء!!
ألم يقم سماحة مفتي طرابلس والشمال بتولي الإفتاء وفق المرسوم رقم ١٨ المرعي الإجراء والذي يحدد سنًا محددة لإنتهاء ولايته!!
ألم يقبل بخوض المعركة آنذاك وفق المرسوم١٨ المشار إليه وكافة تعديلاته جملة وتفصيلًا وبكل مندرجات مواده !!
ألم يجر التمديد له العام الماضي لاعتبارات سياسية محضة أهدرت النصوص بدلًا من إعمالها وتفعيلها!!
ألم يكن انعكاس التمديد الأول بائسًا على المشهد العام لمقام الإفتاء بما لم يسبق رؤيته أو سماعه أو مشاهدته في تاريخ هذا المقام؟؟
وما هو المانع الشرعي والقانوني من الدعوة لإجراء انتخابات مفت جديد كما كان هو جديدًا يومًا ما ؟!
ألم تجر انتخابات مجلس شرعي إسلامي أعلى من قبل الهيئة الناخبة نفسها منذ أقل من ثلاثة أشهر ؟؟
وعلى الصعيد الوطني ألم تجر انتخابات نقابة المحامين في بيروت وطرابلس خلال الثورة التي خلعت قلوب كثير من الفاسدين وزلزلت عروشهم وكشفت سوءاتهم وارتكاباتهم؟!
ألم تجر الاستشارات النيابية في قصر بعبدا ؟! ولِمَ إلقاء المعاذير المختلفة والتحجج بالأوضاع العامة للبلاد؟!
هل تجرؤ دولتكم أن تتحملوا أمام الله والتاريخ مسؤولية الترويج لمصادرة حق الهيئة الناخبة لاختيار مفت جديد لمدينة طرابلس والشمال بعد الثورة العارمة على الفساد الإداري والمالي في هذه السلطة المتحكمة بالبلاد والعباد!!
ثم من يتحمل عبء المزيد من تشويه صورة مقام الإفتاء جراء تعطيل النصوص و اعتقال إرادات الملتزمين بها؟!
ومن المستفيد من تحنيط النصوص وإيجاد المزيد من الفوضى في المؤسسة الدينية تمهيدا لإضعافها وإنهاكها ثم تهميشها وتصفيتها ؟!
أليست هذه الممارسات معززة لخارطة طريق الحركة اللادينية في لبنان بحيث تقدم لهم ذرائع مجانية على طبق من فضة للمطالبة بدولة مدنية خالية من أي نفوذ للمؤسسة الدينية التي يصر البعض على سحقها تحت وطأة الحسابات السياسية المكشوفة بدلًا من الالتزام بضمان رفعتها وهيبتها وعلو شأنها ورعاية جميع رعيتها وفق المنظور الحضاري الاسلامي النبيل ؟!
فلماذا التأجيل والتمديد في زمن تطالب الحراكات فيه بانتخابات نيابية مبكرة وتطالبون فيه بعكس ذلك تماما في انتخابات الإفتاء ؟
وهل بات من المقبول شرعًا وقانونًا معاداة من يدعو إلى تطبيق النصوص المرعية الإجراء والتصفيق لمن يروّج خرقها وتعطيلها والانقلاب عليها؟!
ألم تعيبوا على خصومكم السياسيين الالتفاف على النصوص الدستورية فلماذا تمارسون ما تعيبوه على غيركم ؟! ولا ندري بتكليف ممن؟"
وختم النداء سياقه المزدحم بالأبعاد القانونية والشرعية، متوجهاً للرئيس السنيورة:"دولة الرئيس ، دعوا سماحة مفتي الجمهورية يقوم بواجباته في إنفاذ النصوص التي تضمن الحد الأدنى من تماسك دار الفتوى في زمن الانهيار الكبير".
• نـُذُر التمديد ومخاطره
تشير المعطيات إلى أن المفتي دريان يتجه إلى التمديد للشعّار لولاية ثانية لمدة عام تنتهي في 31 كانون الاول 2020، تحت مسمى التمديد التقني، لتجاوز حتمية الرجوع إلى المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في هذا القرار.
ولا يمكن إغفال أن العودة إلى طرح التمديد مخالف لما تم الإتفاق عليه عند التمديد الفائت، بأن يكون مرة واحدة وأخيرة، وبناء عليه، تراجع أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى عن طعنهم الذي قدموه إلى مجلس شورى الدولة، وكان من شأنه الإطاحة بالشعار، لولا تمني الرئيس ميقاتي على الطاعنين العودة عن طعنهم حفظاً لمقام الإفتاء.
وتكمن بشاعة التمديد في أنه يحمل تمييزاً متعدّد الأوجه:
ــ فالتمديد إعتداءٌ على سلطة القانون، وعلى شرعية الهيئة الناخبة ودورها، وعلى المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بإعتباره المرجعية المقرِّرة في التمديد أو الإنتخاب.
ــ والتمديد إنحيازٌ سلبيّ لشخص الشيخ الشعار، في مواجهة مرشحين آخرين، يحق لهم أن يأخذوا فرصتهم وأن يطرحوا مشاريعهم وأن يقوموا بمبادراتهم لإخراج دار الفتوى في طرابلس من مأزق إنعدام الثقة وفقدان التواصل مع عامة المسلمين وخاصتهم.
ــ والتمديد لشخص واحد، يستدعي تعميم التمديد على جميع الموظفين في دار الفتوى، فلماذا يستفيد شخص الشيخ الشعار، بينما يُحرم بقية القضاة والموظين منه، وفي هذه الحال، يجب إعادة المفتين والقضاة وسائر الموظفين الذين سبقت إحالتهم إلى التقاعد.. وتجميد كل الإحالات إلى التقاعد بدون إستثناء، خصوصاً في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة، وفي ظل ضعف الرواتب التي يتقاضاها السلك الديني أصلاً.
• أين دار الفتوى من تحديات الأمن الإجتماعي؟
إن من شأن الإصرار على التمديد للشعار أن يعيد فتح إشكاليات كبرى في المدينة، خاصة أن المظاهرات المعترضة على أدائه وصلت إلى منزله، وأنه طيلة الفترة الأصلية لولايته والممددة له، لم يستطيع أن يحرز أيّ تقدّم يُذكر في إدارة الشأن الديني، من حيث إستعادة الثقة بدار الفتوى، ولا إعادة الإعتبار للتوجيه الديني، فضلاً عن الغرق في شبهات سوء إدارة الأوقاف وبيع العقارات الوقفية أو التصرف بها بما يخالف مصالح المسلمين، وإضاعة الهبات والفرص لتحسين الإدارة والإستثمار للأراضي والمحالّ والمكاتب التابعة لأوقاف طرابلس.
يترقب المجتمع الطرابلسي والشمالي فرصة التغيير في إفتاء الفيحاء، خاصة أنهم يترقبون تطورات الأزمة الإقتصادية والمالية الآخذة في التأزم والتفاقم، وهم يرون المرجعيات الدينية والسياسية الأخرى تسابق الوقت في إستعداداتها وإتخاذها الإجراءات الكفيلة بتوفير الأمن الغذائي والإجتماعي في مجتمعاتها المحلية، بينما لا ترى من دار الفتوى والأوقاف الإسلامية، أي إهتمامٍ بهذا الأمر الخطر، بدل أن تشهد دوائر الأوقاف حالة طوارئ وإستنفار، تستعين فيها الدار بكل التخصصات لوضع آليةٍ متقدمة للإدارة، سواء في التحسين السريع لإستثمار العقارات في المدن وملاءمتها للمستجدات، أو لوضع خطط التطوير الزراعي العاجلة للأراضي الوقفية في الأرياف.
• أفق التغيير وإستعادة الثقة
شكّلت الثورة فرصة لإعادة الثقة بدار الفتوى، فتحوّلت أصوات العلماء المتبنـّيةُ لمطالب الناس مساحةَ تراكمٍ إيجابية للدار، وبصرف النظر عن المسار السياسي الذي سيشهده البلد، إلا أنه لم يعد ممكناً قبول أن تكون تأشيرة وصول المفتي إلى موقعه، هي درجة الولاء لهذا السياسيّ أو ذاك، وما يجري من إخضاعٍ وتطويعٍ وإستنزاف للمؤسسة الدينية، سيجعلها في موقع لا تـُحسَدُ عليه، لأنه مع تعاظم المخاطر ستنكشف السوءات ويُفتضح العجز ويصبح الحساب من شرائح المجتمع المهمشة والمستضعفة، للمفتي ولمن فرض التمديد له أقسى وأكثر ضراوة مما يتوقعه القابعون على الكراسي.
وفي زمن المصارحة والمكاشفة، يجب القول بوضوح: إن دار الفتوى تستمدّ قوتها من مرجعيتها الجامعة، وأنها طيلة السنوات الماضية بقيت في عباءة الرئيس الحريري، حتى باتت أكثر حريرية منه شخصياً، فيستقبل الرئيس المكلف حسان دياب، ويحجر على دار الفتوى إستقباله، مع رفضنا لكل سياق تكليفه ووضعه في موقع الرئاسة الثالثة، ولكن هذا المسار يجب أن يتوقف لصالح تقوية المجتمع السني، بمرجعياته الدينية والسياسية بلا تهميش ولا إقصاء للمكونات الملتزمة بثوابت دار الفتوى الإسلامية والوطنية.
في زمن التحولات الكبرى، لا يمكن التفكير بطريقةٍ جامدة، وقد وصلت أصداء خطب المشايخ في بيروت والمناطق إلى سماحة مفتي الجمهورية، وهي تدعو إلى تحرير دار الفتوى من الهيمنة السياسية وتحرير العلماء وإتاحة المساحة الكاملة لهم في إتخاذ المواقف والمبادرات الإسلامية والوطنية التي تواكب ثورة اللبنانيين وتوقهم للوصول إلى الإستقلالية الفاعلة للقطاع الديني، بإعتباره جزءاً لا ينفصل عن المجتمع اللبناني، مع ما تحمله فرص التطوير من تحصين شامل في مواجهة التطرف وكل أشكال الإنحراف.