الاحتكار
هي معركتي الابدية والدائمة والتي لا تتوقف، فلم نفتح نقاشاً جدّياً حول جدوى الاحتكار حتى الآن في اقتصادنا الوطني، ولم ندرس الآثار المترتّبة عنه والى ماذا أدّى؟ وهل نشرنا توعية حقيقية حول هذا الخطر والمرض الذي يضرب اقتصادَنا الوطني؟.
وعلى رغم من الكلام الشائع عن تميّز السوق اللبنانية بالحرّية والشفافية والانفتاح، فإنّ تكاتف الاحتكارات تبقى السمة الأساسية لهذه السوق وللنظام الاقتصادي اللبناني. فقد تشكلّت الاحتكارات الكبيرة على مرّ السنين في ظل «جمهورية التجار». ويساعد ضيق السوق الاقتصادية اللبنانية في تشكّل الاحتكارات. وربما كان لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي وضعت تشريعات تحمي الوكالات الحصرية بها، من خلال تدخّل الاجهزة الجمركية لمنع غير الوكيل من استيراد السلعة الممثلة بوكيل. فالدول الصناعية تمنع إعطاء وكالات حصرية. وربما كان لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح وتشرّع لقيام سوق مالية احتكارية.
ويمكن القول إنّ القوى الضاغطة الممثلة للاحتكارات الكبرى، هي التي تحكم لبنان فعلياً، على الصعد السياسية والإعلامية، وتفرّغ النظام اللبناني من أي محتوى ديموقراطي. كما أنّ هذه البنى الاحتكارية، تزرع الفساد في الحياة السياسية وتموّل هذا الفساد للحفاظ على استغلالها واستبدادها وتعوق البنية الاحتكارية التطور الاقتصادي، وخصوصاً توسّع وتنمية قطاعات الإنتاج بمنعها للمنافسة الحرّة، وتوسّع الفروقات ودائرة الفقر، وتسرّع وتيرة الهجرة الدائمة والمؤقتة.
من أولى الخطوات التي يمكن اتخاذها، وبحسب ما تنصح به تقارير دولية صادرة عن البنك الدولي، إزالة المعوقات الرسمية وغير الرسمية التي تقف أمام المنافسة، في اعتبارها كفيلة بأن تضبط الأسعار. ويقدّر البنك الدولي الريع الناتج من الاحتكارات في لبنان بأكثر من 16% من الناتج المحلي (عام 2006) وهو أكثر من مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلّي.
تُظهر الدراسات أنّ ثلثي الأسواق اللبنانية تخضع للاحتكار، فيما تستحوذ المؤسسات التي تمارس أنواعاً من الاحتكار على أكثر من نصف المبيعات في السوق. والامثلة على انواع الاحتكارات تطول، من المطار، الى المرفأ، الكازينو، مروراً بـ«سوكلين»، وصولاً الى «سوليدير». حتى نصل إلى حواجز جمركية وإدارية لزيادة الاستيراد عن طريق البريد السريع!
يجب ان تتغيّر عقلية دعم الاحتكار في لبنان، والتي تعتبر انّ هذا الاحتكار هو الطريقة الاسرع لتحقيق الارباح، فهذه النظرية تُعتبر سرقة في كل دول العالم. لا أترك فرصة تمرّ إلاّ وأرفع الصوت عالياً: «الاحتكار شرّ مطلق»..
الشفافية
أعلن رسمياً موت قانون الحق في الوصول الى المعلومات، بعد ان تمّ اغتياله بدم بارد، ويبدو أنّ الوصول الى الشفافية معركة طويلة تحتاج الى ثورة، ولكن نحن في خضم الثورة، لذا اعيد التذكير اليوم انّ الحاجة الى قانون عصري «قانون الشفافية والبيانات المفتوحة»، أسقَطوا كل قوانين مكافحة الفساد وهيئاتها وبيروقراطيتها ولجانها، وأقرّوا قانوناً واحداً، قانوناً متقدّماً للحق المطلق في الوصول الى المعلومات، يمنح المواطن الإطلاع الكامل.
قانون يسمح بأن يُصبح عمل الحكومة علنياً بطريقة مطلقة، أي أن يدخل المواطن بطريقة أوتوماتيكية عبر الانترنت متى شاء وكيفما شاء، عبر فتح القنوات اللازمة وإنشاء أنظمة تتيح للمواطن الدخول الى سجلات الوزارات والمؤسسات والادارات العامة. قانون لبناني رائد يُشرك المواطن في القرار. فاذا اخترعنا الحرف، نستطيع اختراع قانون سبّاق يعطي مثالًا رائدًا عن الديموقراطية الحقيقية التي تجعل المواطن شريكاً في الحكم عبر الشفافية الكاملة. هذا عنوان المعركة المقبلة لأنّ العيش خارج الشفافية هو موت معلن.
التعليم
على رغم من كل الخطط والموازنات الضخمة، فشلت الدولة في تأمين الحد الادنى المقبول في التعليم الرسمي. وإذا قارنا النتائج المحققة بالمبالغ المدفوعة، نرى أننا أمام هدر كبير وفرص ضائعة لكثير من الطلاب، وبالتالي، يجب التفكير في حلول جديدة تسمح بتحقيق نتائج سريعة. فيما يبدو الحل الاسلم ان تقوم مؤسسات تعليمية، مشهود لها قدراتها التعليمية، باستلام ادارة المدارس الرسمية، لرفع مستواها بالكلفة نفسها التي تدفعها الدولة حالياً، حيث انّه بالتكاليف نفسها نحصل على مستوى تعليمي متطور. وهذا لا يعني بأي شكل من الاشكال الغاء سلطة الدولة على التعليم الرسمي، بل يصبح دورها اشرافاً عاماً، وتتقدّم المؤسسات التعليمية المشهود لها بخبرتها العريقة والنتائج المحصلة في الامتحانات الرسمية من جهة، ومن جهة أخرى عدد التلاميذ في هذه المدارس، الذين وصلوا الى جامعات بالمستوى العالمي، وذلك عبر مناقصات مدروسة تُشرف عليها وزارة التربية، وان تتضمن العقود شروطاً صارمة تقضي بإلغائها تلقائياً، اذا كانت النتائج المحققة دون المستوى المطلوب. ويبقى لوزارة التربية دور الإشراف والتدخّل في حال وقوع اي اخطاء.
هذه الافكار والأهداف والتجارب موجّهة لفئات معينة، نعم عقول معينة، فهي لمن يريد ان يغوص في التفاصيل، ويبتعد عن الإقتناعات المسبقة، ويبني رأياً مستندًا على علم الاقتصاد وتجارب الدول الناجحة، لمن يحلم برؤية لبنان سنغافورة الشرق الاوسط، من يعمل في سبيل التقدّم الاقتصادي والريادة والانتاجية، والذين يعرفون عدة العمل الصحيحة لبناء اقتصاد قوي بعيداً من المحاصصات والسياسة والمذهبية، لمن تعب وجهد لبناء مصنع أو عمل وأغرقه بحر البيروقراطية والسياسة الخاطئة، من يعتبر الاصلاح طريقاً للنجاح ولم تسكنه الطريقة اللبنانية بأنّ «الشاطر بشطارتو»، للطالب الذي يملك احلاماً بالنهوض ببلده، ومن يرفض ان يتحوّل سلعة يتمّ تصديرها من اجل البقاء، من يحلم بالاختراع في بلده وتقديم افكار ناجحة، للمسؤول المنفتح الجاهز لوضع خطط قابلة للتطبيق، ومن يشمّرعن سواعده للتدقيق في أدق التفاصيل.