الإفتاء مهمة صعب وتكليف أخلاقي رفيع ، ولكن أن تكون مفتي في مدينة تتميز بالعيش المشترك والتاريخ النضالي والوطنيومدخل الوطن الجنوبي وطريق إمداده في مقارعة العدو منذ احتلال فلسطين هي المهمة الصعبة ،وخاصة في الحفاظ على العيش المشترك ،وراعية شؤون الرعية ، المفتي راعي شؤون المسلمين، ومراقب المساجد والعلماء، وعين الوقف وأملاكها، ورئيسا للمجلس الإداري للأوقاف الإسلامية. يعمل جاهدا لمساعدة النازحيين السوريين من خلال التعاون مع جمعيات متخصصة في مجال الإغاثة الإنسانية لما يحتمه عليه دينه وأخلاقه وإنسانيته. منفتح بأفكاره على الغير ، يعمل من منطلق تقبل الأخر دون الإلتفات إلى دينه أو طائفته هو ابن لبنا ن الوطن القائم على العيش المشترك. إبن مدينة صيدا المؤمن بتاريخها الذي لطالما تمكن من نبذ الفتنة وإخماد شرارة وعدم الإنسياق وراء الحرب الأهلية، انه الشيخ سليم سوسان، مفتي صيدا وأقضيتها منذ ست سنوات الذي يخبرنا في هذا الحوار عن نفسه وصيدا والإفتاء .
1- هلا تخبرنا عنك؟
كانت دراستي المبدئية في المقاصد وسنة 1952 دخلت أزهر لبنان كما كان يسمى وتخرجت منه سنة 1962، وذهبت إلى مصر لأدرس في الأزهر، حصلت على شهادة من كلية الشريعة. تابعت الدراسات العليا في الفقه المقارن ولكني لم أنهيها لظروف عائلية خاصة فعدت إلى لبنان بعد حرب 1967. عند عدوتي من مصر كنت أقوم بالخطابة في جامع المجذوب في صيدا والتدريس في ثانوية المقاصد الإسلامية، و بعض المدارس الحكومية لغاية سنة 1970، وبعد سنتين أصبحت رئيسا لدائرة الأوقاف الإسلامية في صيدا والجنوب. سنة 1984 بعد الإجتياح الإسرائيلي انتدبت للذهاب إلى المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية للمشاركة في مشروع طباعة المصحف الشريف ، ومكث فيها ست سنوات حتى تم الطبع، عدت إلى صيدا من جديد في نهاية عام 1990 بدأت أقوم بعملي في دائرة الأوقاف الإسلامية كرئيسا لها، ومنذ ست سنوات اصبحت مفتي لصيدا وأقضيتها بعد وفاة الشيخ محمد جلال الدين. ومن زملائي الذين كانوا معي :" الشيخ محمد رشيد قباني مفتي الجمهورية، الشيخ خليل الميس مفتي البقاع، والشيخ مصطفى غادر رحمه الله مفتي حاصبيا".
2- ما هي مهام المفتي بشكل عام؟
إن مهام المفتي بشكل عام هي رعاية شؤون المسلمين دينيا واجتماعيا وثقافيا وتربويا، رعاية المساجد والعلماء ورعاية عين الأوقاف وأملاكها والمحافظة عليها. وهذه أمور يحددها المرسوم 18/55 وتعطى بموجبه هذه الصلاحية و هذا الدور يكون المفتي رئيسا للمجلس الإداري للأوقاف الإسلامية.
3- صف لنا الخلاف الحاصل في المجلس الإسلامي الشرعي حول قرار المفتي قباني بعقد انتخابات ؟
سماحة مفتي الجمهورية يريد إجراء إنتخابات للمجلس الشرعي الاسلامي ، وهناك وجهات نظر مختلفة ومتعددة تعتمد على بعض التفسيرات القانونية التي ينظمها المرسوم 18 أيضا. وهناك مجموعة من أعضاء المجلس القديم إعتبر أنه قد مدد لهذا المجلس حتى نهاية العام 2013 بينما يعتبر سماحة المفتي أنه لم يمدد له وأن المدة قد انتهت ولا يريد أن يقع في الفراغ. من هنا كان شكل هذا الخلاف الظاهري ولكن في الواقع هناك خلاف في العلاقة بين بعض الجهات التي تتمثل في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى والأعضاء التي تمثل وجهات النظر هذه. في بلد يعاني من انقسام سياسي فمن جملته ما ينعكس على حال المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى..
4- كيف يقوم دار الإفتاء بمساعدة النازحين السوريين وتوزيع المساعدات في المدينة؟
من اليوم الأول للمعارك في الشام ونحن نسأل الله أن تنتهي فقد شعرنا بالمسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية علينا واستطاعت الجمعيات والمؤسسات والهيئات التي تعمل في حقل الإغاثة الإنسانية من تقديم العون من منطلق أنه واجب وطني وأخلاقي وإنساني تجاه إخواننا النازحين سواء كانوا سوريين أو فلسطينيين وقدمنا لهم بعض المساعدات من خلال هذه المؤسسات وهذه الجمعيات ومن خلال هذه الإمكانيات المتواضعة المحدودة على أمل أن تقوم وزارة الشؤون الإجتماعية والدولة اللبنانية بمساعدة هذه الجمعيات ودعمها. لقد وصل عدد النازحين إلى أكثر من 4000 عائلة "ما بين صيدا والمخيم "،وهم حقيقة يحتاجون إلى أمور كثيرة في مقدمتها الإيواء والإستشفاء ، وهناك مرضى وأطفال ونساء ومرت أيام قاسية عليهم خلال الشتاء البارد القارس ولكن مازلنا على الوعد. تأتي المساعدات من الخارج لدعم هؤلاء النازحين وأعتقد أن صيدا تقوم بواجبها بهذا الخصوص. هناك أمور ناقصة على صعيد الإستشفاء والإيواء ونحن نسعى إلى تأمين هذه الأمور قدر المستطاع وقدر إمكانياتنا المتواضعة التي حتى الأن لم تدعم لا من الخارج ولا من الدولة اللبنانية.
5- الأطراف الأخرى تتخوف من إنتشار النازحين السوريين في كافة المناطق اللبنانية وتصرح بأنها تريد إقفال الحدود أو توزيعهم على الدول المجاورة.
أنا أعتقد بأن الحدود لن تقفل ولا يستطيع أحد إقفالها والأعداد الكبيرة قد دخلت أثناء معارك دمشق الحامية ،أعتقد أن هذه الأعداد متجهة نحو الإزدياد. لذلك، أنا أتمنى أن تنتهي الحرب في سوريا بسرعة وأن يعود هؤلاء النازحون إلى بيوتهم وأرضهم ووطنهم ولا بد أن نقوم بواجباتنا تجاههم خلال هذه المرحلة.
6- كيف يرى شركاءنا في الجنوب عملية انتشار السوريين ،لجهة الخوف من الإخلال بالعامل الديموغرافي؟
هذا إن كانوا سيبقون ولكنهم لن يبقوا لذلك لا تخوف من هذه الأعداد. فلا أعتقد بأن أي نازح يترك بيته وداره، ونحن مررنا بهذه التجربة كلبنانيين، وعدنا إلى بيوتنا عند توقف الحرب فورا وبعض منا عاد إلى بيته المسروق والمدمر ولأنه بديل من بيته وداره وأرضه ووطنه.
7- صيدا بوابة الجنوب ومدينة العيش المشترك بين جميع الطوائف فما هو رأيك بنشاط الشيخ أحمد الأسير في المدينة في الأونة الأخيرة؟ وكيف ترون مستقبل التعايش في صيدا خاصة ولبنان عامة؟
-دون التطرق إلى الأسماء فكلهم إخواننا وأصدقائنا، صيدا هي مدينة منفتحة متنوعة متعددة لم تعرف في تاريخها ولا في ماضيها ولا في حاضرها ولن تعرف في مستقبلها أي نوع من فتنة طائفية. هذه المدينة هي نموذج للعيش المشترك والوفاق الوطني والسلم الأهلي، هذه المدينة عاش فيها المسيحي ولم يعرف بأنه مسيحي وعاش فيها الشيعي ولم يعرف بأنه شيعي وكذلك السني. هذه المدينة متمسكة بتربيتها، بتراثها، بتاريخها وقد حافظت على مسيرتها الوطنية والإنسانية واللبنانية ولم تضيّع في يوم من الأيام بوصلتها. لذا، أرجو أن يفهم أننا لا نعيش في جزيرة. نحن في صيدا جزء من هذا الوطن وهذا الوطن جزء من الأمة وما يحصل في سوريا المجاورة ليس بقليل ومن الطبيعي أن تنعكس بعض الأموة علينا، والمطلوب هو تحصين هذه المدينة بوحدة الصف ووحدة الموقف ووحدة الكلمة. أنا لا أخاف على صيدا ولا على الأوضاع في صيدا لأن صيدا بعقلائها وبرموزها وبمجتمعها المدني الحريص على العيش وعلى الجوار سواء كان مسيحيا في شرقها أو شيعيا في جنوبها، فنحن كلنا لبنانيون نعيش في هذا الوطن ونراهن على الدولة القوية العادلة الموحدة في أرضها وشعبها ومؤسساتها والتي تعامل كل اللبنانيين معاملة واحدة ويأخذون كل حقوقهم ويقومون بواجباتهم تجاهها دون تفرقة أو تمييز.
8- ما رأيك بالزواج المدني؟ وكيف ترى قرار المفتي المناع لتوقيع قانون الزواج المدني؟ ويقول البعض بأنه ليس لدى المسلمين مشكلة مع الزواج المدني بل هي مع الطرف الأخر.
منذ فترة كنت في ندوة مع المطران حداد والمفتي عسيران عقدت في قاعة الحوار الإسلامي - المسيحي في مطرانية الكاثوليك في صيدا بخصوص هذا الموضوع . الزواج المدني بمفهومه المتعارف عليه هو زواج لا يلتقي ولا يتوافق مع الشريعة الإسلامية، فالمشكلة ليست في الزواج المدني بل في مفاعيله ومظاهره وانعكاساته على حقوق وواجبات الزوج والزوجة وما ينتج عن هذه العلاقة من أبناء وتغيير الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالعدّة والطلاق والوصية والميراث. أما الزواج في حقيقته في الإسلام هو زواج مدني يتم بالإيجاب والقبول ولا يشترط وجود رجل دين أو كاهن فهو عقد كبقية العقود التي تتوفر في ركنيه الصحة أي الإيجاب والقبول والشهود.
9- كثرت التساؤلات حول سبب اعتراض رجال الدين المسلمين على إقرار قانون الزواج المدني وزعم البعض بأن السبب يعود إلى أن القانون يؤثر على عائدات المحاكم الشرعية لمعاملات الزواج ويقلص من مهامها.
ليس هذا السبب فكل ما يتوافق مع الشرع مقبول وكل ما يتعارض معه هو مرفوض.
10- ما رأيك بإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري؟
الإسلام احترم المرأة سواء كانت بنتا، أما،جدة، خالة، أو عمة. فالجنة تحت أقدامها إذا ما أصبحت أما، ويجعلها بعد تقوى الله إذا ما كانت زوجة فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خير من إمرأة صالحة إذا نظر إليها أسرّته وإذا أقسم عليها أمرته وإذا غاب عنها حفظته في ماله وفي عرضه. المرأة مكرّمة في الإسلام، محفوظة بكرامتها وبحيائها.
11- الأوقاف ما هي طبيعة عملها؟ ومن يديرها في صيدا؟ وما هي عائداتها؟
أنا المسؤول عن الأوقاف، وتعمل الأوقاف على رعاية المسائل، الحفاظ على عين الوقف وتنميتها وبالتالي هي قطاع مستقل يتبع للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الذي يرأسه سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية. أما بالنسبة لعائدات الأوقاف فصيدا أفضل من باقي الاوقاف القابعة على الأراضي اللبنانية.
حوار دعاء علي موسى