منذ عدة أيام قامت قيامة بعض "الممانعين" اليساريّين ولم تقعد، على نشاط فكري سياسي، كان بعض "المثقفين" ينوون إقامته في إحدى خِيم الانتفاضة الشعبية اللبنانية، وتركّزت المعارضة على عنوان المحاضرة، والتي تتعلّق بمعضلة "حياد" لبنان عن الصراعات الإقليمية المحتدمة، وذهب هؤلاء المعارضين لتحميل المحاضرة هدفاً "مدسوساً"، وهو التّطبيع مع إسرائيل، باعتبار الحياد المنشود إنّما يعني إنهاء الصراع مع إسرائيل، الدولة المغتصبة لفلسطين، ولم يكتفِ معارضو المحاضرة بإيقافها ومنعها، بل عمدوا بعد ذلك إلى إحراق الخيمة "الموبوءة"، كما وصموا المحاضرين بالعمالة والخيانة والسعي للتّطبيع مع إسرائيل، ويتفهم مُعادو الكيان الصهيوني هواجس هؤلاء المعترضين، فضلاً عن رفضهم الدائم لأية عملية تطبيع (وخاصةً الثقافية منها) مع هذا الكيان الغاصب، إلاّ أن ّهذه "الانتفاضة" القومية و"الحَميّة" الفلسطينية التي هبّت فجأة، لم يسمع بها أحدٌ عندما صرّح وزير الخارجية جبران باسيل منذ فترة بحقّ "دولة" إسرائيل بالوجود والسلام والأمان، لم نسمع يومها كلمة شجبٍ أو إدانة، وهم لم يقوموا بتنظيم مظاهرة ولو محدودة أمام مكتب وزير الخارجية جبران باسيل، وبالأمس تمّ تكليف أستاذ أكاديمي في الجامعة الأمريكية في بيروت، الدكتور حسّان دياب بتأليف حكومة إنقاذية جديدة، علّها تُخلّص لبنان من أزماته المُستعصية، ليظهر للرئيس المكلّف الدكتور حسان دياب "فيديو" مُستنكر وعلى درجة كبيرة من الخطورة، إذ يظهر دياب وهو يصف "مجازر" الصهاينة بحقّ الشعب الفلسطيني عام ١٩٤٨، واقتلاعهم خارج ديارهم وأرضهم وأرزاقهم واحتلالها، بأنه كان "هجرة" لسكان فلسطين من "دولة" إسرائيل، هكذا إذن، ومن المتوقع أن لا نسمع من "حُماة" القضية الفلسطينية، والذّابين عن حياض القومية العربية، كلمة استنكارٍ أو احتجاجٍ أو تخوين، وبالطبع ليسوا مُطالَبين برفع مطلب سحب تكليف دياب بتأليف الحكومة الجديدة، نظراً لخطورة الوضع الحكومي الذي يُعانيه لبنان هذه الأيام، لكن يبقى من حقّنا أن ننتظر بيان إدانة من الرفيق خالد حدادة، حامي حِمى اليسار ومقارعة الامبريالية الأميركية، ومن الأديب الألمعي بيار أبو صعب، حامي القضية الفلسطينية عبر جريدة الأخبار التي لا تتهاون عادةً مع دعاة التطبيع والارتهان للعدو الصهيوني، لكن انتظارنا سيطول، ويطول دون جدوى.
قال الشاعر:
يا راقدَ الليل مسروراً بأوّله
إنّ الحوادث قد يطرُقْنَ أسحارا.