عشية اثنين الاستشارات النيابية المُلْزِمة لتسمية الرئيس الذي سيُكَلَّف تأليف الحكومة الجديدة، بدا البلدمشدود الأعصاب وسط ضبابيةٍ كبيرة تحوط مجمل مسارِ استيلادِ تشكيلةٍ يقع على عاتقها توفير ممرٍّ آمن لإخراج البلاد من أعتى أزمة مالية - اقتصادية - اجتماعية تضربها منذ الحرب العالمية الأولى.
وإذ تَقاطعتْ المعطيات أمس عند «صمود» استشارات الاثنين في موعدها ما لم تقع مفاجآت غير محسوبة، فإن خياراتِ التكليفِ التي باتت محصورةً برئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، لم تُسْقِط أن هذا التكليف صار محاصَراً، ومبكراً، بخياراتِ تأليفٍ مفتوحة على شروط وشروط مضادة من ضمن ربْط النزاع الذي بدأ عشية الاستشارات عبر جدرانٍ من لاءاتٍ تشي بالحاجة إلى كاسحة ألغام للقفز فوقها أو أقلّه تدوير زواياها.
لا يمكن فصل المشهد الميداني عن المشهد السياسي، وبالتالي لا يصح الا ربط ما جرى السبت في وسط بيروت بالسياسة.
فما حدث بين الخندق الغميق وساحتي رياض الصلح والشهداء ليس عفويا، وكذلك ما جرى لاحقا في محيط ساحة النجمة وصولا الى الصيفي، وإن كان البعض يعتبره ردة فعل على فعل منظم.
وإذا كانت التجارب اللبنانية تؤكد ان لا شيء معزول عن السياسة، وأن للسياسة في لبنان ادوات ميدانية تستخدم عند الحاجة، فإن ما جرى على اطراف الساحات لم يكن سوى وسائل ضغط لتحسين شروط التفاوض قبيل استشارات صار بحكم المتوقع انها ستفضي الى التكليف.
ومع تحول جسر الرينغ صندوق بريد توجه عبره الرسائل، تترقب الاوساط السياسية الرسالة التي يمكن استخلاصها من استشارات الاثنين، ولو ان عنوانها قد ظهر في الايام الماضية والذي يخشى منها إطالة أمد التأليف، ما يعطي انطباعا بأن الرئيس الحريري لن يكون مطلق الحرية قبل الاتفاق معه على الاسماء والوزارات.
وقد كان البارز حركة النائب السابق غطاس خوري باتجاه معراب وبعبدا موفدا من الرئيس سعد الحريري، حيث افادت المعلومات ان الرئيس ميشال عون ابلغ قراره الى خوري بعدم تمثله بوزراء في حكومة اختصاصيين وتمسكه بحكومة تكنوسياسية.
ووسط الضبابية على الصعيد الحكومي تترقب الاوساط السياسية زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل الى بيروت الأسبوع الطالع، غداة فرض عقوبات جديدة على حزب الله، وما اذا كان سيعلن خلالها مواقف محددة لواشنطن من الازمة في لبنان.
تحبس الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية أنفاسها انتظاراً للساعات التي تفصل لبنان عن اختيار رئيس الحكومة المكلف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، الذي يفترض أن تختاره الأكثرية النيابية في الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال عون، وفق ما ينص عليه الدستور.
لكن اللبنانيين ليسوا وحدهم الذين ينتظرون ما ستؤول إليه هذه الاستشارات لمعرفة اسم الرئيس المكلف، لأن المجتمع الدولي أيضاً يرصد بدقة هويته التي باتت محصورة بين خيارين، وفق مواقف أكثرية القوى السياسية: إما يعود زعيم تيار المستقبل رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري إلى الرئاسة الثالثة، وإما تُسند المهمة إلى شخصية يزكيها الحريري ويقبل بها سائر الفرقاء.
ومع أن الحريري اشترط أن تكون الحكومة من اختصاصيين كي يقبل بالمهمة، وبالتالي إذا وقع الخيار عليه فإن هذا سيكون مؤشراً إلى نوعية الحكومة العتيدة، وإذا وقع الخيار على غيره فمعنى ذلك أن هناك نوعية مختلفة للحكومة، وقد تكون مختلطة بين الاختصاصيين والسياسيين بهذا القدر أو ذاك.