مما لاشك فيه بان الحراك اللبناني كان له الصدى الكبير في تعامله مع القضايا المطلبية والاجتماعية التي انتفض الشعب من اجلها ، وطريقة الادارة الشعبية للحراك والذي كان صداه الايجابي على وسائل الاعلام العالمي ...
لقد اربك ظهور الحراك اللبناني كافة المواقف السياسية الدولية والاقليمية والداخلية بسبب اهمية التعاطي مع الاعتراض والامساك بالقضايا المطلبية لكن المقاربات القائمة لدى القوى السياسية وعدم الاكتراث بمواقف الناس وتحركاتها في الشارع، وظهور مفاهيم جديدة في التعاطي مع التحركات الشعبية ، فالشارع بات يفرض مواقف سياسية متقدمة تفرض على الكثيرين الاخذ بها ، في الداخل والخارج ...
لكن الملفت في عملية المواقف الدولية هو الموقف الروسي وتعاطيه بسلبية وعدائية واضحة مع الحراك اللبناني من خلال السفير الروسي في لبنان" الكسندر زاسبكين"، والذي تبلور ذلك في العديد من الاطلالات الاعلامية (التلفزيونات وصفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية) اللبنانية المنشورة والموزعة بالأسماء والتواريخ، حيث كان السفير يسعى لابراز ذلك من خلال:
1- العداء المباشر للتحرك اللبناني وانحيازه لطرف معين مباشرة من خلال تسميته بالاسم ، حيث ابدع السفير بالعداء العلني للحراك، والتغيير متهما المتظاهرين بالتآمر على لبنان لصالح اجندة خارجية محددا الأميركي وتحديدا في 22 تشرين قال :"بان الدور الامريكي في لبنان تخريبي وليس شيء اخر ، والعقوبات الامريكية هي للضغط على لبنان التي تتخذ من الحراك غطاء لها" متجاهلا بذلك المطالب اللبنانية .
والنقطة الثانية يحاول فيها الدبلوماسي الروسي في تصريحاته المتكررة اظهار الموقف الرسمي في ممارسة فن المناكفة السياسية بين روسيا والولايات المتحدة واستخدام لبنان ساحة مناكفة سياسية ودبلوماسية مقسما الاطراف( الحراك والمنظمة السياسية)، بين معارض ومؤيد للسياسة الأميركية، وبالتالي يجيز لنفسه سعادة السفير بان يكون جهة خارجية رسمية تتدخل في الشؤون الداخلية للبنان، ويطلق بدوره التصريحات المعادية للمطالب المحقة للحراك ويستنكر اداء الحراك الذي يربطه بالخارج.
بالرغم من موقف روسيا التي ترجم في موقها الاول بان الحراك هو حالة لبنانية خاصة، وكذلك حاول لافروف في مؤتمر السلام العالمي في باريس ان يميز الموقف الروسي الرسمي ويطرح مبادرة دبلوماسية لا تؤيد الحراك الشعبي ، لكن في متابعة لتصريح السفارة الروسية يختلف الموقف نهائيا من الحراك الذي يكن له العداء العلني.
ليس غريبا ان نسمع هذه التصريحات الروسية العدائية والمتكررة من قبل الدبلوماسي الروسي الذي يفترض ان يعبر عن وجهة نظر الخارجية الروسية لكنه للأسف لديه موقف معادي ضد الشعب اللبناني المنتفض بوجه الفساد متناسيا بان النظام الروسي القائم يعود الفضل بوجوده الى الثورة والانقلاب على النظام السوفياتي السابق ،ويتناسى الدبلوماسي بان روسيا تعاني من مشكلة لم يتمكن النظام الحالي من معالجتها والكامنة بالفساد المتفشي في كافة اركان الدولة وأجهزتها الرسمية .
روسيا دولة مريضة بمرض مزمن هذا المرض الروسي اسمه الثورات التي تخاف منها مما يجعلها تدافع عن الانظمة الفاسدة والدكتاتورية في العالم فعن طريق حمايتهم واستخدامها للفيتو الذي يحميهم بان تستطيع ان تضع موطئ قدم في دول شعبها يرفضها ويثور عليها منذ ثورة بودابست عام 1956 وربيع براغ 1968 وثورة واسو 1980 ،وثورات الدول السوفياتية والمعسكر الاشتراكي 1989 والثورات الملونة في دول الاتحاد السوفياتي السابق 2005 (جورجيا وملدوفيا واوكرانيا وقرقيزستان) ، وقمع الثورة السورية عام 2015 .
روسيا الدولة المفلسة ماليا وسياسيا ودبلوماسيا والمحاصرة عالميا اقتصاديا تحاول الدخول على خط الازمات كي تفك ازمتها المالية الخانقة وحصارها السياسي التي تعيشه منذ احتلال القرم 2014 واحتلال سوريا عام 2015.
يمكننا ببساطة ان نرى في دراسة مقارنة بين الفترة السابقة والحالية ابراز العقلية الروسية المبنية على التسلط والفوقية، فروسيا لا يمكنها تقديم اي شيء للأخرين ، فالعقلية الروسية القائمة على السيطرة والانانية والتوسع بطريقة جشعة وبشعة باتت من الماضي لا يمكنها التأقلم مع الواقع الجديد وتغيير الخطاب القديم .
فالروس ليس لهم صديق سوى المصالح المالية ،والاقتصادية فالمقاربة الروسية الجديدة تقوم على وضع المفاهيم الاقتصادية مكان المفاهيم الايديولوجية، وبحسب المثل اللبناني" فان فاقد الشيء لا يعطيه" .
روسيا الدولة الوحيدة في العالم التي تعمد على احتلال أيديولوجي وثقافي للحصول على كل شيء ، روسيا هي الدولة هي الوحيدة في العالم تخرج من الدول المحتلة ولا يبقى من اثرها اي شيء وتصبح العدو الاساسي لشعوبها ومصدر القلق الدائم ، والدليل هو القاء النظر على شعوب المعسكر الاشتراكي والدول السوفياتية السابقة.
فاذا نظرنا الى المقابلة الاخيرة التي اجرتها اذاعة الشرق بتاريخ 29 تشرين الثاني 2019 مع السفير الروسي حيث بدل السفير في كلامه نحو الحراك مؤكدا على الدور الامريكي المعادي فالحديث الذي حاول تجميله بطريقة جديدة قد يكون ناتج عن معلومات للسفير بالاستياء الواضح من التصريحات الروسية المستمرة ، والتدخل في الشؤون اللبنانية التي تؤدي الى رفع منسوب العداء لروسيا ولأي مبادرة قد تقدمها روسيا والتي قد تدفع بالمتظاهرين والثائرين بالتوجه نحو الاعتراض المباشر امام السفارة الروسية، واطلاق شعارات معادية لروسيا وتدخلها بالشؤون اللبنانية وبالتالي احراج دبلوماسيتها العالمية امام الراي العالمي ، مما يفرض حالة نفور من روسيا وسياسيها وخاصة بان الجرح لا يزال مفتوح في العالم العربي من احتلال روسيا لسورية وممارستها العدوانية ضد الشعب السوري وتصرفاتها المزعجة في الملف السوري.
على روسيا ان تكف عن التصريحات التي تدلي بها شمالا ويمينا في لبنان وان تضع حدا لموقف سفيرها العدائي للحراك بحال كانت تعتبر نفسها محايدة عما يحدث في لبنان ،فهي ليست قوة عالمية في عالم ذات توازن دولي ، ويجب عليها ان تعلم بان لبنان ساحة مغلقة عليها ، ولا يمكنها العبث فيها وبالتالي ستكون بذلك في مواجهة مع الحراك اللبناني الذي يطالب بحقوق مشروعة في بلد يعاني من الفساد المتوحش الذي يفقر اللبنانيين كونها حامية الفاسدين والمفسدين تحت حجج وهمية لا تتعلق بالمصالح الدولية والصراعات الجيوسياسية . وان لا تبقى اسيرة مفاهيم طبعتها على سياستها الخارجية بان داعمة دائمة للدكتاتوريات والمافيات بوجه الشعوب المقهورة .
خالد العزي
كاتب وباحث لبناني